IMLebanon

اغتيال بجاني.. وتدشين كاتم الصوت

كتب علي شندب في “اللواء”:

ضخّ اغتيال ابن بلدة الكحالة المصوّر جو بجاني كمية هائلة من الخوف بين اللبنانيين. كاتم الصوت الذي اغتيل به بجاني كتم أنفاس اللبنانيين وضاعف من حجم اغتيال الرجل امام منزله وهو يستعد لايصال طفلتيه الى المدرسة. واسلوب الاغتيال نفذه بطريقة احترافية قتلة محترفون تشي حركتهم بأنهم تفحّصوا جيدا محيط ومسرح الجريمة ومواقع كاميرات التصوير التي وثّقت الجريمة.

صحيح أن كاتم الصوت مرتبط جزئيا بتنفيذ اغتيالات خاصة تلك التي نفّذها الموساد الاسرائيلي ضد قادة منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت خلال سنوات الحرب. لكن استخدامه في اغتيال بجاني بالامس حمل في طياته غير المشفرة هدفا مزودوجا:

الأول، شطب بجاني كهدف بعينه بسبب التقاطه صورا لانفجار مرفأ بيروت مع محققين فرنسيين واميركيين بحسب ما اوردته التقارير الاعلامية اضافة لحرص فريق الاغتيال على احتفاظه بهاتف المغدور والى التصوير الخاص به.

الثاني، فهو الاعلان العاري من كل التباس أن لبنان دخل مرحلة سوداوية جدا ستكون الكلمة العليا فيها لكاتم الصوت.

فقد كان بامكان القتلة تنفيذ عمليتهم بوسائل متعددة منها اجتياح سيارته من قبل شاحنة سيُقال انها انزلقت، وانزلاق الشاحنات على طريق الكحالة صعودا ونزولا حدث عادي ومعتاد. لكن ليس مطلوبا ان يموت بجاني بحادث عرضي ملتبس. بل المطلوب ان يقتل بكاتم الصوت ليكون رسالة إرهاب وإرعاب وتهديد جدية لكل من تسوّل له نفسه الاقتراب من خطوط التوتر الحمراء.

أمر آخر، أن بامكان فريق القتلة اغتيال الرجل بعيدا عن بيته وبلدته، لكنهم قرّروا أن مسرح الجريمة هو بلدة الكحالة التي وكما هو معلوم تقع على خطوط التوتر والاستقرار السياسي والامني في البلاد، واسمها مرتبط بحقبة الحرب الأهلية وخصوصا «حرب الجبل» وعلى أخصّ الخصوص حرب ميشال عون ضد الاحزاب الوطنية ومن خلفهم سوريا والفصائل الفلسطينية، وهي الحرب التي انقسم فيها الجيش اللبناني وتحوّل ألوية مذهبية ومناطقية، وبالتالي فقد أراد القتلة عبر إغتيالهم هذا، إيقاظ كل تلك الحقبة السوداء من الحرب واستحضارها من جديد، وهم بذلك أصابوا عدة عصافير باغتيال واحد.

وقد سبق اغتيال بجاني، مطالعات مطولة لقادة الاجهزة الامنية والعسكرية المتنوعة المشارب والولاءات السياسية تقاطعت معلوماتها حول اغتيالات مرجحة في لبنان، وذلك على خلفية الاستعصاء السياسي لناحية تشكيل حكومة مهمة لانقاذ لبنان، كما وعلى خلفية الاشتباك السياسي القضائي حول أداء المحقق العدلي فادي صوان الذي يطالب ركنا حركة أمل غازي زعيتر وعلي حسن خليل بكفّ يده عن التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت واستبداله بسبب «الارتياب المشروع» الذي لاقاهم فيه حزب الله بالطلب الى المحقق العدلي اعادة النظر بادعاءاته واعتماد مقاربة غير استنسابية. سيما وأن المدعى عليهم في ملف المرفأ هم من حلفاء حزب الله الرسميين، وسبق أن عرضنا لذلك في مقالنا الأخير «الانفجار بين ارتياب أمل وادعاء حزب الله».

فكما ان ادعاء حزب الله على شخصيات سبق وحمّلته مسؤولية انفجار المرفأ قد شكل السابقة غير المسبوقة من قبل الحزب، فإن هذا الادعاء برأي بعض خصوم حزب الله المدعى عليهم بمثابة تمهيد للاغتيال الجسدي الذي في حال استهدافهم فلن توجه أصابع الاتهام للحزب الذي سيقول ببساطة أنه احتكم الى القضاء.

جدير بالذكر أنه سبق اغتيال بجاني ارتفاع ملحوظ في عمليات السرقة المنظمة يتخللها اطلاق الرصاص والتي يحصل غالبيتها لأسباب بعيدة عن الجوع، وتنفذها مافيات منظمة شبيهة بقتلة ابن الكحالة، في سعي محموم يدلل على حجم الهشاشة الامنية في لبنان بخلاف ما يحاول وزير الداخلية محمد فهمي الايحاء به والإصرار عليه.

بدون شك، لبنان ينزلق الى السيناريو الكارثي الاسوأ المتناسل من الانهيار المالي والاقتصادي الذي وبرأي «17 تشرين»، تسبّبت به منظومة الامونيوم والفساد والمال والسلطة والسلاح التي حولت لبنان الى جثة، ويبرهن أهل المنظومة كل يوم أن مكاسبهم ومحاصصاتهم الحزبية الضيقة أهم من بقاء لبنان وسلام اللبنانيين، وقد باتوا اليوم بتصارعون على كفن جثة لبنان وجثمانه المسجى في المرفأ والكحالة وقد أشبعوه تناتشا وتمزيقا.