كتبت سمر فضول في “الجمهورية”:
ثلاثة عوامل رئيسة أفقدت العيد بهجته هذه السنة، أوّلها الأزمة الاقتصادية والنقدية، تليها جائحة كورونا التي فرضت على اللبنانيين عادات وتقاليد جديدة لم يعتادوها سابقاً، وثالثها انفجار المرفأ الذي شكّل الضربة القاضية لحياة اللبنانيين النفسية والجسدية.
يحلّ عيد الميلاد غداً ثقيلاً على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، فجيوب اللبنانيين أُفرغت أو فقدت قيمتها، إذ «ورغم كل خطط وآليّات الدعم التي وضعتها الحكومة المستقيلة، الّا أنّ الأسعار استمرت في الارتفاع، ولم يستفِد المواطن اللبناني من الدعم بأكثر من 20 في المئة، في حين جُيِّر الدعم لبعض التجار الكبار المدعومين سياسياً»، على ما يؤكّد رئيس جمعية المستهلك زهير برّو.
ويوضح برّو لـ«الجمهورية» مُفنّداً حديثه بالأرقام وفق التالي:
– المواد المستهلكة في موسم الأعياد شهدت ارتفاعاً هذه السنة بنسبة 500 الى 600 في المئة، وذلك بحسب المخزون من كل صنف.
– المواد المنتجة محلياً، كالخضر والفاكهة؟، شهدت أسعارها أيضاً ارتفاعاً عن العام الماضي بنسبة تتراوح بين 300 الى 400 في المئة.
– أما المواد المستوردة المدعومة كالمازوت، فهي مفقودة من الأسواق بالسعر المدعوم، وتُباع بحسب سعر صرف السوق السوداء، وذلك بعد أن تم تخزينها أو تهريبها الى خارج البلاد.
ويشير برّو الى أنّ “معدّل الارتفاع العام الذي شمل كل السلع والخدمات المستوردة والمحلية بلغ 40 في المئة، ما يعني تراجع القدرة الشرائية 4 أضعاف، أي عملياً وبالأرقام ما كنّا نشتريه العام الماضي بمليون ليرة، بتنا اليوم في حاجة الى 4 ملايين لشرائه”.
أولويّات العيد
ومع تراجع القدرة الشرائية، كيف حدّد اللبناني أولوياته الشرائية في موسم العيد؟
يكشف نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد لـ«الجمهورية» أنّ المواطنين “إستَغنوا عن كل ما هو ثانوي وغير أساسي، فلم نشهد طلباً مثلاً على الشوكولا وحلويات العيد وكل ما له علاقة بزينة الطاولة، وهي سِلع لم يتم استيرادها في الأساس سوى بكميّات قليلة، أي تمّ استيراد أقل من 10 في المئة عن العام الماضي”.
وعن حبشة العيد الشهيرة، يقول فهد: “عادة يتصدّر الحبش الأميركي قائمة الاستيراد بكميات كبيرة، أمّا هذه السنة فبيعت فقط الكميات المخزّنة من العام الماضي”.
ولناحية الأجبان، أشار فهد الى استيراد ما لا يفوق 5 في المئة من الأجبان التي كانت تستورد في الأعوام السابقة، وانحصرت الاختيارات في بعض الأنواع كالأساسية والـ brie والـ chêvre، أمّا تلك المميزة وذات الأسعار المرتفعة فلم يتم استيرادها.
و”الحال عينها للألعاب”، يستطرد فهد ليشير الى أنّ “فرحة العيد غائبة، فلا قدرة ولا رغبة للناس لتبذير أموالهم بل على العكس يفضّلون الاحتفاظ بها، لأنّ المواطن يعيش حالة من القلق الأمني والاقتصادي تُشتّت تركيزه عن شراء حاجيات العيد.”
البدائل
ولكن على رغم كل الصعوبات يَجِد اللبناني مَنفذاً للهرب من مصائبه، فطبعاً جمعة العيد باقية، ولو بصورة مختلفة. وعليه، يقول فهد: «تحوّل مزاج الاستهلاك اللبناني الى شراء السلع المدعومة أو المنتجة محلياً، فمثلاً:
– شَهدنا طلباً ولو متواضعاً على نوع من الحبش المحلّي الصنع.
– لاحَظنا ازدياد الطلب على الاجبان، كالموتزارلا الوطنية كبديل عن تلك المستوردة.
– المشروبات، لم تشهد ارتفاعاً في سعرها بنحوٍ حاد، كسائر السلع، لأنّ المستوردين يحاولون بيع مخزونهم، خصوصاً في هذه الفترة حيث يكثر الطلب على المشروب، ونلحظ هنا أنّ الطلب بات مرتفعاً على صنف العرق المنتج محليّاً، والـ vodka والـ Gyn محليّة الصنع، فالناس اعتادوا عليه ما عَكسَ ارتفاعاً في الطلب عليه، وأصبحت لدينا ماركات عدة مُنتجة وطنياً.
– أمّا النبيذ الوطني فهو الوحيد الذي لم تنخفض نسبة مبيعه، إذ يباع في هذا الشهر بنسبة تصل الى 70 في المئة، خصوصاً أنّه حافظَ نسبياً على سعر بقيَ في متناول اليد.
حذار التجمعات!
ولمن لا يرغب في إضافة أعباء جديدة على جيبه، فعليه بأمور ثلاثة حَدّدها رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي لـ”الجمهورية”، وهي:
– الإلتزام بالتدابير الوقائية التي باتت معروفة (الكمامة والتباعد الإجتماعي)
– إجراء التجمعات واللقاءات عن بُعد.
– تقليص التجمّع العائلي على أفراد العائلة الصغيرة فقط، كي لا ترتفع نسبة تفشي وباء كورونا، خصوصاً أننا نشهد في الفترة الممتدة من كانون الاول الى نهاية شباط تفشياً أسرع للفيروسات.
وإذ يُناشد عراجي «المواطنين الالتزام ليكون العيد عيد فرح ومحبة وسلام ولا يتحوّل مأساة وطنية»، يؤكّد أنّ “العذاب الذي سيتحمله المواطن على الصعيدين الصحي والمادي لن يكون سهلاً، إذ لم يعد في المستشفيات سوى 50 سريراً في العناية الفائقة فقط، ولمَن لا يحتاج دخول المستشفى من المصابين بكورونا، سَيتكبّد نحو مليون ونصف الى مليوني ليرة لبنانية تكاليف علاجية بين pcr وصورة سكانر للرئة وأدوية…”.
المطاعم
أمّا بالنسبة الى من يرغبون الاحتفال بالأعياد في المطاعم والمقاهي، فيرى عراجي أنّ “الخوف من المؤسسات التي لن تلتزم التباعد وتقليص عدد مقاعدها الى النصف، حيث يجب على الوزارات المعنية التدخّل وتسطير محاضر ضبط وصولاً الى إقفالها لتكون عبرة للمؤسسات المخالفة الأخرى”.
وعن هذا الموضوع، يطلب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي من الناس، عبر «الجمهورية»: «التوجّه فقط وحصراً الى المؤسسات الملتزمة الإجراءات الوقائية، والتي فرّغت 50 في المئة من قدرتها الاستعابية». ورأى أنّ «الوجود في المؤسسات الملتزمة الإجراءات الوقائية أفضل من الوجود داخل المنازل حيث ستغيب الإجراءات الوقائية مِن تباعد وتهوئة…» مؤكّداً أنّه “من المُستحَب أن تكون مجموعة واحدة أو عائلة واحدة على طاولة في مطعم أو مؤسسة سياحية على أن يكون هناك اكتظاظ في الشاليهات والحفلات الخاصة”.
ويصف الرامي الأسعار بأنها “متواضعة جداً، لأن لا قدرة شرائية للمواطن ولا سيولة بين يديه، ولا عامل نفسياً مساعداً، أضِف الى كلّ ذلك التخوّف من وباء كورونا.”
مع ذلك يحتفل اللبناني بالميلاد على طريقته، مُمارساً طقوسه التي اعتاد عليها رغم كل الاجراءات الاستثنائية التي اتخذت ويستقبل رأس السنة ليجدّد أمله في غد أفضل… ويؤكد انه متمسّك بلبنانه الذي عاش فيه طفولته، ويصرّ على بناء مستقبله رغم كل الصعاب والمطبّات والعراقيل التي يضعها البعض لإرغامه على اليأس.. وسيظلّ يردد «اليأس حاجة والأمل ابتكار».