IMLebanon

الحكومة اللبنانية العتيدة في مهبّ الـ 2021 وكوابيسها

لم تصمد الأجواء التفاؤلية التي أشاعها كلام الرئيس المكلف سعد الحريري عن إيجابيةٍ في مسار التأليف وعن لقاءات متتالية لاستيلاد حكومته قبل عيد الميلاد، إلا ساعات قليلة خَرَجَ بعدها ومن على المنبر نفسه في القصر الجمهوري، ناعياً إمكان تحقيق الخرق المطلوب في هذا الملف قبل حلول السنة الجديدة على الأقلّ، وراسِماً ما يشبه «مهلة الحضّ» للقوى السياسية التي دعاها لـ «لحظة تأمل» في عطلة الأعياد على قاعدة «يجب أن نتواضع ونفكّر في مصلحة بلدنا الذي يستحقّ أن نضحّي من أجله وليس في مصلحة فريق على آخَر» و«بعد رأس السنة يجب أن تكون لدينا حكومة، فالشعب لم يعد يريد أن يرى سعد الحريري طالع ونازل من القصر من دون أن تولد الحكومة».

وحَمَل موقف الحريري الذي جاء بعد لقاءٍ هو الثاني مع الرئيس ميشال عون في 24 ساعة، إشاراتٍ ذات دلالات، أولاً إلى «أن هناك تعقيدات واضحة» وفق وصْفه حالت دون بلوغ الخاتمة السعيدة التي أرادها، وثانياً إلى حيثياتٍ عميقة لهذه التعقيدات عبّر عنها كلامه عن «أن هناك وضوحاً في المشاكل السياسية الموجودة»، وثالثاً إلى أصل الخلاف الذي «هو ربّما نتيجة الثقة التي ضاعت خلال العام الماضي والتي يجب أن نعيد بناءها بين الأفرقاء»، ورابعاً إلى أن «السياسيّين لم يعد لديهم وقت، ويجب أن يعرفوا أنّ البلد ينهار بشكل سريع جداً، والمطلوب حكومة اختصاصيّين من الخبراء غير المسيّسين».

وبحسب مصادر سياسية، فقد بدا الحريري، الذي دَخَل تكليفُه شهرَه الثالث، في كلمته غير المقتضبة أمس، وكأنه يخاطب جميع الأطراف خصوصاً فريق عون وتحديداً رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي رُبط استمرار التأخر بتأليف الحكومة في شقه الداخلي بحساباتٍ تحكم مقاربته هذا الملف انطلاقاً من «وضعيته» الجديدة بعد فرض العقوبات الأميركية عليه ومن الدور «الرئاسي» الذي قد تضطلع به هذه الحكومة بحال انتهتْ ولاية عون إلى فراغٍ جديد، وهي الحسابات التي غُلِّفتْ بعنوان وحدة المعايير والعدالة في توزيع الحقائب والشراكة الحتمية في التأليف بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة.

ولم يوحِ كلام الرئيس المكلف بأي اتجاهٍ لديه لـ «الاستسلام» أمام التعقيدات بل ذهب إلى تأكيد «سأظلّ مصرّاً على تشكيل حكومة اختصاصيّين، والرئيس عون مصرّ على ذلك أيضاً وسنبقى نتواصل إلى أن نؤلفها، ولن أتوقّف عن العمل إلى حين تشكيل مثل هذه الحكومة لوقف الانهيار والمضي قدماً بالإصلاح واتخاذ قرارات صعبة وسريعة، فهذه هي الطريقة الوحيدة للعمل مع الحلفاء والخارج لإعادة لبنان إلى مكانته الطبيعيّة».

ولم يكد الحريري أن يغادر قصر بعبدا وسط إعلان رئاسة الجمهورية «ان عون أجرى مع الرئيس المكلف جولة جديدة من التشاور في موضوع تشكيل الحكومة ولم يتم التوصل خلال اللقاء الى اتفاق نهائي وتَقرّر الاستمرار في التشاور خلال اجتماعات لاحقة»، حتى أشارت معلومات إلى استمرار وجود نقاط عالقة، أبرزها مسألة وزارتيْ الداخلية والعدل، مع إشاراتٍ من قريبين من فريق عون إلى وجوب «أن تكون الحكومة متكافئة لتكون قادرة على الحُكْم والقيام بمسؤولياتها في المرحلة المقبلة»، وهي الأجواء التي عكست عدم نجاح المساعي، التي واكبتْها البطريركية المارونية وباريس، في الساعات التي فصلتْ بين لقاءي عون – الحريري، أول من أمس وأمس في تفكيك «لغم» الداخلية – العدل الذي يشكّل واحداً من سبْحة تعقيدات.

وقد خرجت هذه العقدة بقوة إلى العلن بعد تَراجُع مطلب «الثلث المعطّل» وحاجة فريق رئيس الجمهورية لـ «تعويضه» حقائبياً، إما بالداخلية التي يَعتبر أنه كان وُعد بها وعاد الرئيس المكلف ليرسم خطاً أحمر حولها، أو بالعدل التي يتمسّك بها أيضاً الحريري نظراً إلى حساسيتها في مرحلة فتْح ملفات فساد عبّرت أطراف عدة عن خشية من خلفياتٍ سياسية وراء تحريكها، وسط عدم نضوج خياراتٍ على طريقة «الحل الوسط» بينها أن يكون وزير الداخلية (المسيحي من حصة الحريري) اسماً يُتَّفق عليه بين الرئيسين، في ظل اعتبار مصادر مطلعة أن رئيس الجمهورية الذي يريد أن تكون له الكلمة الأولى في الوزارتيْن السياديتين من حصة المسيحيين (الدفاع والداخلية) يجد نفسه مع التشكيلة التي عرضها عليه الحريري على قاعدة 3 ستات، ينال مع فريقه أقل من ستة وليس ستة ونصف، كما أوحى البعض في إشارة الى «وزيرٍ ملكٍ» قد يشكله وزير الداخلية «المشترَك» مع الحريري.

وفي رأي هذه المصادر أن وجود حقيبة الطاقة من حصة عون، يعني واقعياً أن الاسم الذي سيتولاها (مطروح جو صدي) هو «وديعة فرنسية» بعدما طوّبت باريس نفسها «وصيّة» على هذه الوزارة – المفتاح في عملية الإصلاح المطلوبة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الخلاف حول حصة عون لا ينفي تعقيدات خفية أخرى بقيتْ طيّ الكتمان حول الأسماء ذات الصلة بطوائف أخرى، وسط انطباعٍ بأن إعادة توزيع الحقائب انطلاقاً من التشكيلة التي كان الحريري قدّمها إلى عون قبل أسبوعين سيفتح الباب أمام «سبحة» تعديلات أخرى يمكن أن تجرّ إلى تعقيدات متناسلةٍ.

وفي حين صارت الحكومة الجديدة في مهبّ الـ 2021 وكوابيسها التي تطرق الباب بقوة، مالياً ومعيشياً ووبائياً مع توقعاتٍ بـ «انفجارٍ» على مستوى إصابات كورونا بعد الأعياد، وقّع رئيس الجمهورية أمس، مرسوم نقل اعتماد لشراء لقاحات «كورونا» من شركة «فايزر» على أن يتولى وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن إجراءات توقيع الاتفاق، فيما كان الاتحاد الاوروبي يعلن عن «دعم مالي إضافي بـ 100 مليون يورو للبنان لمعالجة عواقب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي»، موضحاً أن جزءاً من المساعدات يهدف إلى دعم المجتمع المدني وتحسين الخدمات الأساسية والبنى التحتية المتضررة من الانفجار وأن أكثر من 60 مليون يورو من المبلغ الإجمالي ستقدم من خلال الصّندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد لمساعدة الفئات الأكثر حاجة من اللاجئين السوريين صحياً واجتماعياً.