كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”:
مع تبدد الأجواء الإيجابية التي رافقت الحراك الأخير على خط عملية تشكيل الحكومة التي بات من المؤكد أنها لن تشهد النور قبل العام الجديد، لا سيما بعد حديث الرئيس المكلّف سعد الحريري عن استمرار وجود «بعض العراقيل الواضحة»، عاد الحديث عن عقدة أساسية على خط التشكيل تتمثل بتمسك رئاسة الجمهورية والرئيس المكلف بتسمية وزيري العدل والداخلية.
لا يذكر الطرفان، أي رئاسة الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة، هذه العقدة بشكل مباشر، باعتبار أن هذا الأمر تفصيل يعكس اختلاف النظرة إلى معايير تشكيل الحكومة، كما يرى النائب إدغار معلوف عضو تكتل «لبنان القوي» الموالي للرئيس عون.
وينفي معلوف في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن تكون عقدة التأليف تكمن في هاتين الوزارتين أو أن يكون «التيار» أو رئيس الجمهورية ميشال عون متمسكين بأي وزارة، متحدثاً عن «قطبة مخفية تعرقل تشكيل الحكومة يُسأل عنها الرئيس المكلف عبر استخدامه معايير مزدوجة بالتشكيل».
ويشير معلوف إلى أن الأهم في موضوع تشكيل الحكومة «وحدة المعايير»؛ فالتيار موافق على أي معايير شرط أن تكون موحدة على الجميع ومبنية على تفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف المعنيين، بحسب الدستور، بتشكيل الحكومة.
من جانبه، يعتبر النائب نزيه نجم عضو كتلة «المستقبل النيابية» التي يرأسها الحريري أن الموضوع ليس قصة تمسك بوزارتي العدل والداخلية، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن حرص الرئيس المكلف على هاتين الوزارتين بالتحديد يأتي في إطار «الحرص على العدالة ومن ثم تطبيقها»، الأمر الذي عادة ما يكون منوطاً بوزارتي العدل والداخلية.
ويلفت نجم إلى أن هناك كثيراً من الملفات القضائية التي تحتاج إلى متابعة جدية بعيداً من المناكفات السياسية، وعلى وجه السرعة، منها مثلاً انفجار مرفأ بيروت الذي مضى عليه 5 أشهر، فضلاً عن التشكيلات القضائية، لذلك تُعدّ وزارة العدل مهمة جداً، معتبراً أنه لا يمكن أن يدار لبنان بعقلية «من يريد أن ينتقم ممن»، وأن كل ما يريده تيار المستقبل «حكومة فاعلة»؛ فحرصه الأول والأخير على «حكومة عادلة بكل جوانبها».
يُذكر أنه، وفي حين لم يتحدث «اتفاق الطائف» عن توزيع طائفي للوزارات مكتفياً بذكر مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، جرت العادة بتخصيص الوزارات السيادية الأربع (الخارجية والداخلية والمالية والدفاع) للطوائف الأربع الكبرى، أي الموارنة والسنة والشيعة والأرثوذكس. أما الحقائب الوزارية التي توصف بـ«الوازنة»، كالطاقة والعدل والأشغال العامة والنقل، فتوزع على الطوائف الأربع الكبرى وطائفتي الدروز والكاثوليك.
ولم يتولّ أي وزير شيعي منذ «اتفاق الطائف» حتى اليوم حقيبتي العدل والداخلية.
وبين شعار «وحدة المعايير» و«حكومة عادلة»، يرى الناشط السياسي والأستاذ الجامعي مكرم رباح أن الكباش على هاتين الوزارتين يأتي في إطار «تحسين كل طرف فرص تفاوضه، إلى حين أن يأتي الوقت الحقيقي لتشكيل الحكومة؛ إذ إن العقدة الأساسية هي مشاركة (حزب الله) في الحكومة، الأمر الذي لا يريده الجانب الأميركي»، لذلك يراهن السياسيون اللبنانيون على تغير الإدارة الأميركية بعد تسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
ويرى رباح في حديث مع «الشرق الأوسط» أن دوافع تمسك كل طرف بهاتين الوزارتين يعود إلى الأسباب نفسها، وإن كانت تختلف بالعناوين، موضحاً أن «التمسك بوزارة العدل يهدف عند الطرفين إلى الإمساك بالقضاء»، فبالنسبة لـ«التيار الوطني الحر» تحول القضاء مع وزير عدل مقرب منه إلى «قوة ضاربة»، فشهدنا توقيف الناشطين ولجوء «حزب الله» إلى القضاء، وهذا لم نعتده سابقاً، وبالتالي يريد «الوطني الحر» الحفاظ على هذه القوة، لا سيما أن التشكيلات القضائية لم تُجر بعد.
أما بالنسبة إلى الحريري، فيريد أن يحمي ظهره، لا سيما بعد استدعاء القضاء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في ملف انفجار المرفأ، وبعدما تقدمت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بشكوى في حق مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتهمة الإخلال بالواجب الوظيفي.
ويشار هنا إلى أنه، كما في الوزارات، تكرس عرف توزيع مديري الأجهزة الأمنية الأربعة على الطوائف الأربع، وكانت قيادة قوى الأمن الداخلي للسنة، وغالباً ما يكون مديرها مقرباً من «تيار المستقبل».
وفي حين يشير رباح إلى أنه لا يمكن أيضاً فصل موضوع عثمان عن التمسك بوزارة الداخلية يلفت إلى أن هذه الوزارة بما تحمله من صلاحيات تعني تقديم خدمات عن طريق البلديات، وإعطاء رخص في أكثر من مجال فضلاً عن مهمتها في مراقبة الانتخابات النيابية.