رأى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، أن “الظلم نهش وجودنا ونفوسنا، وطريقة تفكيرنا وطبيعة أولوياتنا، وبخاصة أن هذا البلد خسر كثيرا بالسياسة لا بالدين، كما تم تمزيق الطوائف بالسياسة لا بالدين. وفي هذا السياق، الحرب الأهلية هي حرب سياسية لا دينية، والصراع على السلطة صراع سياسي لا ديني، لأن الدين بمبادئه كلها يدعو إلى الإلفة والمحبة والرحمة والتعاون والتضامن والخير، بعيدا من وثنية الصفقات وعقلية الشركات والمزارع والمتاريس وخطوط التماس، والأرباح العائلية والحزبية والمناطقية”.
وقال في خطبة الجمعة: “منطق السماء عند كل الأديان يؤكد حقيقة أن الخلق – بغض النظر عن الدين والمعتقد – أحبهم عند الله أنفعهم لعياله، لذلك أكبر ما يجب العمل له اليوم قبل الغد، هو إنقاذ شعب هذا البلد من براثن الفساد، وأطماع وأحقاد السياسيين، الذين حولوا البلد إلى مزرعة منهوبة ومخطوفة، وشعب يعيش حال بؤس وخوف ووعود كاذبة، ودولة مهددة بالسقوط لا بل سقطت، في ظل أكثر من روزنامة دولية وإقليمية تتعامل مع لبنان بخلفيات سياسية، وليس بخلفيات إنقاذية، الأمر الذي زاد من هموم اللبنانيين ومآسيهم التي تتعاظم يوما بعد يوم”.
تابع: “الثقة انعدمت، والتمني لا يكفي، لأن الأماني من دون عمل وجهد ومثابرة وقوة صادقة ونظافة سلطة، ومحاسبة جدية، وشراكة وطن لا قيمة لها. مما يعني أن تشكيل حكومة إنقاذ بات مسؤولية أخلاقية ووطنية وواجبا إنسانيا وقيميا لا ينبغي التخلي عنه أو التفريط به، مهما كانت الضغوط الخارجية. لأن المطلوب إنقاذ البلد وليس المتاجرة بمصيره. ونحذر من شد الحبل على أعناق اللبنانيين، ونؤكد أن النزاقة والكيدية لا يمكن أن تبني بلدا، كذلك سياسة توزيع الحصص على أساس المآرب والمغانم، في بلد تكثر فيه الشعارات، وتنعدم فيه المضامين، وكأن المطلوب هو الذهاب إلى الفتنة بعناوين الحقوق والصلاحيات، فيما البلد لم يبق منه حقوق لأي كان”.
واضاف: “لا شك ولا ريب، في أن ما نحن فيه غير أخلاقي، وغير وطني على الإطلاق، ولا يؤشر إلى أن الحلول باتت قريبة، ولا سيما في موضوع الحكومة التي يريدها البعض على طريقة حصان طروادة، وليس على طريقة إنقاذ البلد المهدد كل يوم ماليا واقتصاديا، وبخاصة أمنيا، إذ يكثر الحديث عن تقارير تشي بانفلات أمني، وما جرى في الكحالة من جريمة نكراء لا يجوز أن يمر مرور الكرام، ويؤكد أننا من سيء إلى أسوأ، وبخاصة في موضوع الاحتكار واللعب بالقطاع النقدي، وتخويف الناس برفع الدعم الذي إن حصل دون ضمانات اجتماعية وخطة اقتصادية، فسنكون حتما أمام كارثة حقيقية لا أحد يعرف مداها”.
وحذر من أن “لعبة خداع اللبنانيين وغشَّهم بأن الصراع السياسي هو من أجلهم ولأجلهم قد انفضحت، وما يمر به البلد والدولة والمؤسسات بكل تلاوينها، ويشهده اللبنانيون بكل انتماءاتهم، يؤكد أن هذه الطبقة السياسية نهبت الدولة وضيعت حقوق اللبنانيين جميعا، مسلمين ومسيحيين، ولا تزال مصرة على نهجها التعطيلي وسلوكها المشبوه ونفاقها الموصوف، وغير مستعدة لإصلاح ولا لتغيير، لأن مشروعها أبعد من تأليف حكومة وإنقاذ بلد، ولكن وعي شعبنا وتمسكه بهذا البلد وإصراره على التعايش الإسلامي المسيحي، الذي نؤكده ونحرص على أن يرقى إلى مستوى الأخوة اللبنانية وليس الشراكة الوطنية فحسب، سيهزم كل مشاريعهم، وسيعطل كل مخططاتهم، وسيبقى لبنان وطنا نهائيا لجميع أبنائه، ببركة هذا الميلاد المجيد، الذي من خلاله أتوجه إلى الإخوة المسيحيين لأقول لهم: ميلادكم مبارك، وكلنا من آدم وآدم من تراب، فلبنان للجميع، والتجربة السياسية ظلمت الكل، وبالتالي لن نقبل بأن يتنعم لبنان وجزء من شعبه مظلوم، نحن وأنتم عائلة واحدة في بلد واحد ومصير واحد”.
وختم قبلان: “نعم، لا حل في لبنان إلا بدولة مواطنة عادلة وحكومة وطنية إنقاذية، فالوقت ليس في صالح أحد، والوضع الاجتماعي مهدد، ونيران المنطقة مستعرة، والغضب الشعبي يكاد يخرج على السيطرة. أدركوا لبنان قبل أن تلتهمه حرائق الفوضى والانهيار”.