لم يظهر جليًا أن هناك قرارًا واضحًا وصريًحا لدى معظم القوى السياسية المتحكمة بمفاصل السلطة انها قادرة او تريد ان تواجه الفساد، فهم بمعظمهم في موقع المتهم إما بممارسة الفساد مباشرة او بحماية ابطاله او بقصر النظر وعدم القدرة على معاينته لأسباب مختلفة منها ما هو عجز قضائي وقانوني او سياسي من دون اغفال ان يكون ذلك اخلاقيا.
هذه المعادلة ليست لمفكرين وباحثين لبنانيين في شؤون الفساد والازمات الإجتماعية انما هي حصيلة مجموعة من التقارير التي وضعتها جهات دولية، اممية واوروبية اطلعت “المركزية” على نماذج منها، وخصوصا من تلك التي شكلت ثمرة بعثات استقصاء زارت لبنان من اجل معاينة مصير مجموعة كبيرة من الهبات التي قدمتها للبنان، ومنها تلك التي وفرتها جهات وجمعيات دينية واخرى جاءت عن طريق صناديق المؤسسات الاستثمارية المانحة والاتحادات الكبرى او تلك التي دفعت اليها الحاجة الانسانية لمواجهة أزمة النازحين السوريين او كوارث طبيعية بحثا عن مصيرها وحسن استعمالها في وجهتها الصحيحة وللأهداف التي اقيمت من اجلها.
كان في نية العديد من الجهات المانحة والواهبة ضمان توفير الحد الأدنى من الصمود في بيئات حاضنة لمجموعات من النازحين السوريين بعدما استهلكت كثافتهم مواردها الضئيلة التي تمتلكها فئات لبنانية مهمشة. فبعض التجمعات العشوائية للنازحين تمركزت في بيئة اجتماعية كان ينقصها الكثير لتعيش في ظروف عادية وطبيعية قبل ان يلقي النزوح عبئه عليها فتفشت مظاهر الجريمة واخرى غير اخلاقية الى درجة هددت امن هذه المجتمعات ودفعتها الى مزيد من الخروج على القانون والنظام.
على هذه الخلفيات اطلعت جهات استشارية وأخرى من المجتمع المدني على سلسلة من هذه التقارير التي تناولت التدقيق في مصير الهبات والمساعدات في مجموعة من البرامج المحلية التي نفذتها صناديق اوروبية وأخرى غربية واممية وفق برامج معدة سلفا اشرفت الدولة اللبنانية على جزء منها واخرى نفذتها جمعيات ومؤسسات انسانية ودينية واجتماعية تتولى هذه المهام منذ عقود من الزمن وإنتهت الى توجيه سلسلة اتهامات طالت وجوها اجتماعية واخرى سياسية وحزبية بشكل موثق .
وفي المعلومات المتداولة على نطاق ضيق للغاية برزت مظاهر الثراء على مرجعيات مختلفة ومؤسسات استشارية في مجالات متخصصة عملت في قطاعات حيوية كالنفايات والخدمات الانسانية والاجتماعية والمستوصفات الطبية وفي مجالات التدريب المتخصصة في بعض المجتمعات والتي افتقدت الرعاية المستدامة من الجهات الواهبة التي طالت الشكوك بعض مسؤوليها المكلفين بالمراقبة ومتابعة تنفيذ الاعمال المقررة بتفاصيلها الدقيقة فتورطوا الى جانب مسؤولي هذه الجمعيات الى حد بعيد وباتوا شركاء في اقتسام المغانم والمكاسب غير المشروعة.
ثمة من يعتقد ان الجهات الدولية والاممية المانحة لن تستطيع القيام بأي عمل للجم الاعمال التي تعبر عن طريقة صرف النفوذ والفساد والاثراء غير المشروع، الا انها نبهت الى ان ما هو منتظر من قرارات ستصدر في وقت قريب عن الجهات المانحة ما يوفر الجواب على مجموعة من هذه الاسئلة والملاحظات.
وفي المعلومات المتوفرة ان المساءلة قريبة وان من بين الذين ستطالهم الإجراءآت المقبلة بعض من مسؤولي الجهات التنفيذية التي تعهدت بتنفيذ الالتزامات المسبقة الضامنة لحسن سير بعض المشاريع في مجالات الانماء الريفي والقطاعات الخدماتية كالنفايات والخدمات الإجتماعية وستطال مسؤولين في دوائر اممية وهيئات محلية وبلدية ومكاتب وسيطة تعهدت بالقيام بالاعمال المطلوبة منها دون انجازها بالطريقة المثلى التي حددتها الهبات والمساعدات بشكل دقيق.
وعلى هامش النقاش الذي رافق بعض التقارير الأجنبية من اوروبية وغربية واممية برزت محاولات التدخل السياسية في بعض المشاريع التي تخضع للمعاينة بغية تصحيح ما ارتكب من أخطاء من دون جدوى. فالحديث المتنامي عن حجم الفساد في الدوائر الخارجية وقد خرج بعضه الى العلن لكنه لم يكتمل فصولا بعد. وان هناك توجيهات جديدة قد تصدر باعداد جداول بمؤسسات وجمعيات وهمية قامت باعمال غير انسانية وغير اخلاقية وسرقات موصوفة لا بد من القاء الضوء عليها في وقت قريب.
وفي المعلومات المتداولة في هذا المجال ان بعض الاطراف المانحة تتجه الى وقف التعاطي مع بعض الجهات والمنظمات وخصوصا تلك التي برزت في غمرة انعكاسات نكبة مرفأ بيروت واتهمت بالخروج على اصول تنفيذ التزاماتها وتعهداتها بشكل موثق بعدما كشفت التحقيقات الفورية بانها ليست من الجهات التي تستحق الثقة وخصوصا عندما ادت التحقيقات في مشاريع مختلفة سابقة لما استجره انفجار المرفا من نكبات وهو ما دفع الى تعزيز العلاقات بين الجهات المانحة والجيش اللبناني ومؤسسات كبرى شبيهة كالصليب الأحمر اللبناني وكاريتاس وشبيهاتها.
على كل حال، فقد نقل عن مرجع دبلوماسي قوله ان الفساد في لبنان استشرى الى درجة كبرى ومخيفة وعلى اكثر من مستوى. ويكفي ان يكون من بين المتهمين باختلاسات هبات ومساعدات انهم كانوا الى جانب عدد من السياسيين الذين امتهنوا الاستثمار في المال العام وقطاعات انتاجية وخدماتية كبرى للتدرب على ممارسة الفساد وصرف النفوذ. وان كان ذلك مقوننا في بعض المشاريع والمؤسسات الرسمية اللبنانية فهو لن يكون كذلك على مستوى المؤسسات الدولية والجهات الدولية والاتحادات الاقليمية المانحة التي ربما ستكشف في القريب العاجل عن بعض التجارب المخيبة للآمال.