كتب فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:
نسمع في الفترة الأخيرة، ويوماً بعد يوم، عن اجتماعات مغلقة أو غير مغلقة، يُطرح خلالها موضوع الدعم، رَفعه، متابعته، تقسيطه، دعم مواد معينة وترك مواد أخرى، فيما الشعب متخوّف من رفعه نهائياً عن المواد الأساسية والمعيشية وهي: المحروقات والقمح والدواء.
لا شك في أنّ التخوّف الواقعي الذي يرزح تحت نيره اللبنانيون هو مُحق. وفي الواقع، ما تقوم به الدولة هو أنها تُتاجر مرة أخرى بما تبقّى من أموال اللبنانيين والمودعين الموجودة كإحتياط إلزامي في المصرف المركزي. نذكّر هنا أنّ هذه الموجودات والإحتياطي هي ملك الشعب اللبناني والمودعين اللبنانيين.
مرة أخرى، نشهد على أن الدولة تتاجر بأموال اللبنانيين المقيمين وغير المقيمين، وتضع الشعب أمام خيار وَهمي مَفاده: إمّا تَكملة دعم المواد الأساسية (الأدوية والخبز والبنزين)، حيث تتعرض الدولة لما تبقّى من الإحتياطي وتصرفه من ودائع اللبنانيين، وإمّا إذا أرادت الدولة عدم المس بهذا الإحتياطي، فإنها ستكون مُجبرة على التوقّف عن الدعم، وسيدفع المواطنون كلفة باهظة ستنعكس في ارتفاع أسعار المواد الأساسية المشار إليها.
مرة أخرى، يوضع الشعب اللبناني أمام خيار مرّ وكاذب، وكأنه المسؤول المباشر عن الانهيار المالي والنقدي، الذي تسبّب به السياسيون أنفسهم الذين يبحثون في موضوع الإستراتيجية المالية والنقدية الإنقاذية، وكأنه اختار أن يصل إلى مفترق الطرق الأليم هذا، وأن يُواجه لوحده هذه الأزمة الكارثية الاقتصادية والاجتماعية.
الأشخاص أنفسهم الذين يبحثون في موضوع الدعم ورفعه، هم المسؤولون المباشرون عن الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي. ومرة أخرى، هم أنفسهم الذين يُقررون مصير ما تبقّى من الودائع والاحتياطي والاقتصاد والشعب والبلد ككل.
اليوم، يتمّ البحث في موضوع الدعم بطريقة خاطئة جداً، لأنّ الدعم مهما كان مصدر تمويله من الاحتياطي أو غيره، سيتوقف يوماً ما، لأننا نواجه نقصاً في العملات الأجنبية، والدولة تستطيع أن تطبع فقط العملة النقدية اللبنانية، ولا تستطيع أن تطبع الدولار واليورو. ومن الواضح أنّ تراجع الثقة سيؤدّي الى تراجع التحويلات بالعملات الأجنبية والمساعدات الدولية أضعاف الأضعاف، ومن دون ضَخ سيولة جديدة، من المستحيل متابعة الدعم على المدى المتوسط والبعيد.
لذا، إنّ موضوع الدعم ليس مطروحاً على المدى القصير فقط، لكن يجب طرحه على المدى المتوسط والبعيد. وعلى الجميع رسم استراتيجيات كي نتعايش مع هذا الواقع الجديد، مع نقص وحصار نقدي لا مثيل لهما في تاريخ البلد.
هذا يعني، وحتى ولو استخدمنا الاحتياطي لمتابعة الدعم في الوقت الحاضر، أنه سيأتي يوم قريب نفتقد فيه للعملات الأجنبية الكافية، وسيتوقف الدعم، شئنا أم أبينا. فموضوع الدعم متكامل، لأنه يرتبط بالخطة الاقتصادية، الاجتماعية، الانمائية، المالية، والنقدية الانقاذية، وليس موضوعاً منفصلاً أو مستقلاً، بحيث نستطيع أن نتباحث فيه، ونتاجر فيه على حساب مصالح اللبنانيين.
نشدّد على أنّ موضوع الدعم يرتبط مباشرة بالثقة، ثقة المجتمع الدولي، والمغتربين، والمستثمرين اللبنانيين، كذلك يرتبط بموضوع الإصلاحات التي لم تبدأ بعد، والتدقيق المالي، حيث هَرّبت السلطة الحالية شركة التدقيق المالي الجنائي، التي كانت في لبنان مؤخراً، علماً أنّ العملات الأجنبية التي كانت تأتينا من المغتربين اللبنانيين خَفتت، بعدما طُعنوا من قِبَل الدولة اللبنانية، وبعدما أُهدرت مساعدات أموال البلدان المانحة، فضلاً عن دفع مستحقات الصناعيين والتجار اللبنانيين في حسابات ومصارف دولية خارج الأراضي اللبنانية، وعدم إدخال عملات أجنبية الى لبنان جرّاء انعدام الثقة.
علينا أن نضع موضوع الدعم في الإطار الحقيقي، فالذين يتباحثون عن رفعه أو متابعته، هم أنفسهم الذين أوصلونا إلى هذه الأزمات، وهم المسؤولون المباشرون عن تآكل أموال اللبنانيين، إذ يُتاجرون بالاحتياطي في المركزي، فيما الشعب يدفع الثمن، والبلد يغرق يوماً بعد يوم.
في الخلاصة، لا يجوز أن يدفع الشعب اللبناني ثمن فشل مسؤوليه مرة أخرى. اللبنانيون ضحية ورهينة الفشل الإقتصادي، لكن لم ولن يستسلموا، وسنتابع قول الحقيقة وتسمية الأمور بأسمائها. لقد خسرت الدولة والمسؤولون ثقتنا، لكننا لن نخسر ثقتنا بأنفسنا، وبشعبنا، ومؤسساتنا، وشركاتنا، وأرزتنا الشامخة، التي ستبقى مزروعة في أرضنا وقلوبنا في كل أنحاء العالم عبر جاليتنا الناجحة.