كتب مايز عبيد في صحيفة نداء الوطن:
بين الرماد والأنقاض، تبحث الطفلة السورية رغد عن ألعابها، ولا تجدها، من اليوم التالي على إحراق المخيم في منطقة بحنين – المنية، الذي كانت تسكن وعائلتها في إحدى خيمه.
ترفض هذه الصغيرة التي لم تتجاوز بعد ربيعها السابع الإقتراب من الكاميرا. خائفة هي إلى درجة رفض الكلام أو حتى الإقتراب من أيّ كان. تجول وتتمشّى في أرجاء المخيّم المنكوب، وبين الرماد، بحثاً عن ألعاب كانت في السابق معها. من المؤكّد أنها لم تعد تعرف أين كان موقع خيمة عائلتها في هذا المخيم المحطّم، ولذلك كانت تبحث في كلّ اتجاه، علّها تجد الخيمة أو موقعها، ومن ثم تجد ألعابها في حال أبقت لها النيران شيئاً منها. وكلّما كنا نبادرها بسؤال، أو كلّما كانت تلاحظ أنّ الكاميرا تلاحق خطواتها؛ كانت تهرب بعيداً والخوف على وجنتيها. لم تجب من أصل أسئلة عدّة إلا عن اسمها وعمرها وسبب وجودها وسط هذا الحُطام. قالت: “بدي ألعابي”، وعندما سألناها عن مكان سكنها الحالي أجابت: “ما بعرف”.
لا تدري رغد ماذا حصل ولماذا أصبحت طفلة مشرّدة، وهي التي فتحت عينيها على الحياة خارج وطنها. جلّ ما تعرفه في هذه اللحظة، أنها كانت تملك ألعاباً تؤنس طفولتها وفقدتها.. غبنا عن ناظرها قليلاً فأحسّت بالأمان وعادت. كانت قد وجدت شيئاً ما وسط الحريق ووضعته في ثيابها. تسلّلنا إلى مكان على مقربة منها لنرى ماذا خبّأت أو ماذا وجدت. لقد وجدت شيئاً يسيراً من لعبة كانت تقتنيها وقضت النيران عليها وفعلت فيها فعلها.
ما أسهل أن ترى تلك الطفلة وقد اغرورقت عيناها بالدموع، فتستعمل ثيابها الرثّة لتمسح دموعها بين الفينة والأخرى، ثم تواصل البحث عن مزيد حتى القليل منه ليس متوفراً. إنّها البراءة بكل معانيها تبكي على أنقاض مخيّم كان يأوي شتات هذه الطفلة الحزينة ومن ورائها عشرات العائلات، وشتات شعب بأكمله هرب من ويلات الحرب والدمار ونزح، ليجد نفسه نازحاً من جديد من مخيم ما زال ساكنوه بالأمس، وقبيل الحريق بأيام، يطالبون المنظّمات الدولية والإنسانية بأقلّ الحقوق لهم ليعيشوا بدفء في موسم الشتاء القارس. ومن وراء رغد الطفلة الباكية، عشرات العائلات أصبحت الآن بلا مأوى فازدادت نزوحاً على نزوح، ولجوءاً فوق لجوء. هؤلاء أتوا إلى المخيم المنكوب ليلقوا عليه نظرة الوداع الأخير ولا تدري أفئدتهم، هل لهذا الركام أن يعود مخيّماً كما كان؟!.
عرفنا أخيراً ماذا تريد تلك الطفلة وما الذي يفرح قلبها الصغير المعذّب. عندما قلنا لها وقبل أن نغادر المكان أننا سنأتيها بألعاب تشبه ألعابها التي احترقت وأكثر من ذلك بكثير. عندها فرحت وأُثلج قلبها الصغير وانفرجت أساريرها بعدما كانت انفجرت بالبكاء مرات ومرات وهي تبحث عن أشيائها ولا تجدها. لقد خلّف ذاك الحريق وراءه عشرات العائلات الباكية ومئات القلوب المُعذّبة. فبقدر ما حزنت رغد وبكت على ألعابها التي فارقت طفولتها، بقدر ما هناك أطفال بكوا وتلعثموا من دون أن يعرفوا ما السبب، وبقدر ما هناك شيوخ ونساء ورجال تحسّروا على خيمة لمّت شتاتهم خارج أسوار الوطن الأم إلى حين، ليعودوا مجدّداً في الأصقاع مشرّدين مشتّتين. وفي انتظار أن يلتئم شمل العائلات في ذاك المخيم، يبقى السؤال الأبرز: هل سيعود المخيم ليجمع شتاتهم من جديد؟ أم أن الأيام المقبلة ستكتب بحروف مآسيها شيئاً آخر؟ وهل ستجد رغد ألعابها من جديد، أم سيرافق البكاء مسيرتها الطفولية حتّى شبابها؟