كتبت لوسي بارسخيان في صحيفة نداء الوطن:
لم يسبق في زحلة أن قرعت الأبواب ورنّت الهواتف بتلك الكثافة التي تشهدها بلديتها ومعظم الجمعيات الخيرية وحتّى الأحزاب، طلباً لعلبة غذائية هنا، أو “تنكة” مازوت هناك، أو حتّى أدوية وحليب للأطفال… فما إن يعلم أحدهم بوصول دفعة مساعدات جديدة، حتّى يتهافت الناس على حصص منها، ليجري توزيعها كلّها بصمت، حفاظاً على حرمات منازل، كانت “مش من زمان” تؤمّن كفايتها الذاتية.
في المدينة تتّسع طبقة العائلات المحتاجة. لسان حالها يحمل اللوم لسلطة “حوّلتنا شحّاذين” كما يقولون، وتحاول إقناعنا بأنّ سعادتنا حالياً يمكن أن تُختزل بعلبة مُعبّأة بالفول والحمّص والعدس، وبأنّ المازوت لا يزال يحترق في مواقدنا، وبأنّنا لا نزال أحياء في هذا البلد، حتّى لو كنّا نعيش في جهنّم، وبأنّنا مع عائلاتنا مجتمعون بالرغم من ظروف “كورونا”، حتى لو كانت بيوت كثيرة لم تعد تقوى على كلفة هذه الجمعات. هذه عائلات “ما عاد العيد يدقّ بابها”، منذ أن عجز ربّ البيت عن تلبية لقمة هنيّة من عرق جبينه لأولاده، فكيف الحال إذا “طلبوا” هدية، صارت من خارج الأولويات؟
بهذا الجو الملبّد يودّع الزحليون، كما سائر اللبنانيين، سنة 2020، وسط أجواء إحتفالية مختصرة جداً، تقابلها حركة غير إعتيادية للجمعيات الخيرية ومتطوّعيها الذين تضاعف نشاطهم في مثل هذه الأيام من السنة.
حلوى العيد كانت إضافة على بعض مبادرات المساعدة المقدّمة لهذه السنة، كتلك التي أمّنت 80 ألف طبق لأبناء المدينة حتى الآن، بعدما إجتمع على تنفيذها ناشطو الجمعيات الخيرية منذ نحو ستة أشهر، بالتنسيق مع جمعية بيت عذراء الفقراء، وتعاون من بلدية زحلة ودعم يومي بالأطباق من أحد خيّري المدينة المغتربين. فيما جاءت عيدية طاولة يوحنا الرحيم التابعة لأبرشية زحلة الكاثوليكية، تجديداً لإتفاقيتها مع مفوضية الأمم المتّحدة للاجئين، رفع عدد المستفيدين من أطباق يومية ساخنة، الى نحو ألف طبق لمسنّين، وأطفال ورجال، وسيّدات من الأكثر فقراً، والتي تساوي بين اللاجئين السوريين ومن إنحدروا الى درجة الفقر من أهل المدينة.
وقد شكّل دخول الـ UNHCR على خط تأمين الأطباق اليومية مع مطرانية زحلة في العام الماضي إستشرافاً للتدهور السريع في الواقع المعيشي لكثير من العائلات وتبدّل أولوياتها من الطبابة، الى تأمين الطعام والأقساط المدرسية والجامعية والأدوية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالأدوية المزمنة وأدوية ذوي الحاجات الخاصة، علماً أنّ المفوضية وزّعت أيضاً 500 حصّة غذائية على الأكثر حاجة، عبر بلدية زحلة أسوة بمناطق لبنانية أخرى.
وإنطلاقاً من هذا الواقع، وبسعي من رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب، تمّ إطلاق برنامجين للمساعدة هذا العام، الأوّل إجتماعي أرسته لجنة للمساعدات الإجتماعية، أمّنت حتى الآن حليباً للأطفال بسعر مدعوم عن السعر المحدّد رسمياً، يوزّع عبر مركزين للصليب الاحمر، كما دعمت دواء الأمراض المزمنة، بالإضافة الى توزيع حصص غذائية للأكثر حاجة.
والبرنامج الثاني تربوي، أرسته لجنة مساعدة طلاب المدارس في زحلة التي ساعدت في أقساط 738 تلميذاً زحلياً في مدارس زحلة الخاصة الـ 14، بالتنسيق مع مجموعة من الزحليين الذين إرتأوا تأسيس صندوق دعم لمساعدة التلاميذ.
هذه المبادرات التي تتبنّاها لجان وجمعيات، ليست وحدها، بل ثمّة مبادرات فردية كثيرة في المدينة، تعبّر عن روح التضامن في الأيام الصعبة التي يختبرها الكثيرون ممن يسترون فقرهم خلف أبواب مغلقة.
في رسالة شكر وجّهها زغيب لمناسبة الأعياد “أمل في تغير الظروف لنرى الفرح على الوجوه في السنة المقبلة”. ولكن الفرح المؤجّل على ما يبدو، سيحتاج الى سلطة تتحمّل مسؤوليتها تجاه شعبها، قبل أن يتحوّل معظمه في العيد المقبل مُستعطياً على الأبواب.