كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن:
ينبئ الخبراء الاقتصاديون والمعنيون بعمق الأزمة السياسية التي تحول دون تأليف الحكومة الجديدة، بوقائع متشائمة جداً بداية 2021، تضع البلد أمام مخاطر واحتمالات أسوأ مما شهده العام المنقضي.
بموازاة ما ينتظر اللبنانيين من تدهور في أوضاعهم المعيشية، مقدماتها ظاهرة مع نهاية الـ 2020، من المتوقع أن ترتفع درجة الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني طالما أن الانهيار الاقتصادي، معطوفاً على إطالة الفراغ الحكومي، يطرح مخاطر على الكيان اللبناني وفق التحذيرات من زوال لبنان، التي كان أول من أطلقها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الصيف الماضي.
بالإضافة إلى التنسيق الفرنسي – الأميركي الذي تكثف مع مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون إثر انفجار المرفأ الكارثي في 4 آب، والتطابق الأوروبي مع باريس، وتقارب موقف موسكو مع توجهاتها، تدعو أكثر من جهة إلى ترقب مفاعيل تبني البابا فرنسيس قضية لبنان. فهو سبق أن ردد تحذيراً شبيهاً بتحذير لودريان، مطلع أيلول الماضي حين قال إن لبنان يواجه “خطراً شديداً يهدد وجوده”. عبرت رسالة البابا إلى اللبنانيين ليلة عيد الميلاد عبر البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، وليس عن طريق رئيس الجمهورية ميشال عون، عن اطلاع على التفاصيل اللبنانية، حين استعار كلاماً للبطريرك الراحل الياس الحويك يدعو النواب والسياسيين إلى إعلاء المصلحة العامة لا خدمة مصالحكم، وهو ألحقها في اليوم التالي خلال قداس الميلاد بتكرار مطالبة “المسؤولين بوضع مصالحهم الخاصة جانباً ليتمكن لبنان من السير في طريق الإصلاح، وفي دعوته إلى الحرية والتعايش السلمي”.
قد يستعير البعض عبارة ستالين الساخرة عام 1945 بسؤاله كم دبابة يملك البابا كي يحارب هتلر، للدلالة على محدودية تأثيره في معالجة أزمة لبنان العميقة، قياساً إلى نفوذ دول مثل إيران وصواريخها والغرب وإسرائيل. لكن دور الفاتيكان إزاء القضايا الدولية يقاس بعمله الديبلوماسي الدؤوب مع الدول الكبرى، ومن الخفة اللامبالاة حياله. رفع درجة اهتمامه بلبنان جراء الحروب التي عصفت به، منذ عقود، لقلقه على المسيحيين في البلد الشرق أوسطي الوحيد الذي يتقاسمون السلطة فيه مع المسلمين. وهو الأخير الذي احتفظوا فيه بمكانة سياسية واقتصادية واجتماعية عالية التأثير في تجربة العيش المشترك. إلا أن الكرسي الرسولي يهتم بالقدر نفسه لموقع شركاء رعيته، من المسلمين. وهو يدرك خريطة المواقف بين المسلمين إزاء الأزمة الراهنة، ويستند إلى نقطة تقاطعها مع الموقف المسيحي بدءاً من الكنيسة.
رسالتا البابا توّجتا سلسلة مواقف عن لبنان منذ ثورة 17 تشرين، ثم بعد انفجار المرفأ الذي أوفد إثره أمين سر الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين. بدد استقبال البابا للراعي قبل شهر الإشاعات عن أن تحركه من أجل الحياد وضغوطه لتسريع تشكيل الحكومة لا يحظى بدعم الحبر الأعظم، فعاد من روما متسلحاً بدعم لتحركه، وصولاً إلى تأييد حكومة الاختصاصيين.
واكبت الديبلوماسية الفاتيكانية في الأشهر الماضية مواقفه باتصالات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وصولاً إلى إيران التي لم تستجب لطلب موفد منه إليها تسهيل حلول أزمة لبنان.
على البعض ألا يستهين بتحرك الفاتيكان المقبل مع الدول الكبرى والإدارة الأميركية الجديدة، وعلى رأسها كاثوليكي للمرة الثانية في تاريخها، لإنقاذ لبنان من لعبة التجاذب الإقليمي الذي أقحمته إيران فيها.