أكدت مصادر “العربية.نت” في مدينة دوما أكبر مدن الغوطة الشرقية أنه “بعد سيطرة النظام على المدينة في 2018، وعودة بعض الأهالي إليها، عمد النظام إلى تعطيل إعادة الإعمار، وإيصال الخدمات الأساسية، كالكهرباء والماء والمدارس وإصلاح الطرق، ففي مدينة دوما مثلا لم يصلح النظام سوى مبنى شعبة التجنيد، لاستكمال تجنيد ما تبقى من شبان المنطقة”.
وأضافت المصادر: “بسبب الوضع الاقتصادي المتردي جداً للأهالي، لجأ الكثير منهم إلى بيع عقارات وأراضٍ لهم، بالدرجة الأولى طبعا إلى تجار إيرانيين هم في مقدمة من يشتري العقارات والأراضي، وتكاد الاستثمارات على ضآلتها محصورة في يد الإيرانيين”.
دور “حزب الله” وإيران في شراء العقارات
بدوره تحدث الناشط أنس الخولي، المنحدر من بلدة مسرابا لـ”العربية.نت”، عن دور إيران عبر الفرقة الرابعة (يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، ومدعومة مباشرة من إيران)، و”حزب الله” في شراء عقارات المهجرين من الغوطة الشرقية.
وأكد الخولي أن “النظام وإيران و”حزب الله” اعتمدت على شخصيات مقربة منها لإتمام مهمة شراء العقارات، وضرب مثلاً على ذلك بشخصية مقربة من “حزب الله” وإيران يلقب بـ “المنفوش”.
كما قال في هذا السياق “المنفوش، هو تاجر يشتري العقارات في بلدة مسرابا، وبلدات حرستا ودوما، هو الوحيد تقريباً الذي يشتري العقارات الكبيرة، المعروف عن هذا التاجر الدعم القوي الذي يتلقاه من “حزب الله” والفرقة الرابعة، يمتلك صلات قوية من الحزب والفرقة الرابعة، تسهل له شراء العقارات، هو في الواجهة لعملية الشراء”.
إلى ذلك، لفت إلى أنّ “النظام من خلال الإجراءات التي بدأ بتطبيقها بعد سيطرته على الغوطة الشرقية، استطاع حيازة الأراضي والعقارات التي تركها أصحابها ونزحوا في عملية التهجير الكبير لأهالي الغوطة، كل هذه العقارات بشكل مباشر أو غير مباشر، باتت تحت سيطرة النظام، فعملية بيعها وشرائها توقفت، لا يستطيعون البيع إلا من خلال وكالة بيع لأشخاص في مناطق سيطرة النظام، وهؤلاء بطبيعة الحال هم من الموالين للنظام”.
الزبداني ومضايا مقابل كفريا والفوعة
بعد حصار النظام لسنوات عدة، بلدتي الزبداني ومضايا، في ريف دمشق، والذي أدى في العام 2016، إلى تردي الأوضاع الإنسانية للسكان المحاصرين، تجلت بصور قاسية خرجت من بلدة مضايا لأهلها المحاصرين وهم يعانون الجوع، وفقدان الاحتياجات الأساسية، جرى توقيع اتفاق المدن الأربع في نيسان 2017، بين ممثلين من إيران، مع آخرين من فصائل المعارضة.
ونص الاتفاق حينها على إخراج من يرفض البقاء من مقاتلي وأهالي مضايا والزبداني إلى الشمال السوري، إضافة إلى مخيم اليرموك، مقابل إخراج كامل أهالي كفريا والفوعة (بلدتين شيعيتين في ريف إدلب) على دفعتين، وإطلاق سراح 1500 معتقل لدى النظام.
وتوصل إلى هذا الاتفاق هيئة “تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) و”حركة أحرار الشام”، مع طهران، مقابل تحرير رهائن، احتجزتهم ميليشات مقربة من إيران، في العراق.
وفي تعليقه على أوضاع بلدتي الزبداني ومضايا، قال الطبيب والناشط علي دياب (ينحدر من بلدة الزبداني)، إن “الدمار الذي لحق بالمدينة، نتيجة اجتياحها من قوات النظام، ومليشيات حزب الله، وميلشيات إيرانية، يحول دون عودة الأهالي إليها، فنسبة الدمار وصلت إلى 80%، من البنية التحتية، والمنازل، والأبنية، ويمكن حصر 15-20% فقط، من أهالي الزبداني الذين تمكنوا من العودة إلى مدينتهم، هؤلاء عادوا بعد تسوية وضعهم مع النظام”.
وأكد دياب لـ”العربية.نت”، أن “النظام يتعمد ترك الدمار في المدينة، وعدم إعادة إعمارها، أو على الأقل إعادة الخدمات الأساسية إليها، من كهرباء وماء ومخابز واتصالات، يريد أن يترك هذه المدينة عبرة للمعارضين، وبالتالي استحالة الحياة فيها، حتى من عاد إلى المدينة، بعد موافقات أمنية صعبة، لا يمكنهم العيش في مدينة لا تحتوي مقومات الحياة الأساسية، يدلل على ذلك، أن تعداد سكان الزبداني قبل الثورة السورية وصل إلى 35 ألف نسمة، أما اليوم، فعدد الموجودين فيها لا يتجاوز 3 آلاف شخص”.
وحول عمليات شراء الأراضي والعقارات، قال: “طبعاً أهم موضوع في عمليات التغيير الديمغرافي بعد التهجير الذي حصل، هو شراء الأراضي من قبل إيرانيين، وخاصة أراضي المنطقة الحدودية مع لبنان، أراضي ومزارع الزبداني، تحازي الشريط الحدودي للبنان، جرت عمليات شراء لتلك الأراضي عبر وسطاء إيرانيين، كون هذه الأراضي تمثل امتداداً لمناطق نفوذ حزب الله في لبنان”.
بدوره أكد السياسي السابق والناشط المعارض أحمد الحاج علي من بلدة الفوعة في ريف إدلب أن “اتفاق تهجير سكان البلدات الأربع، أو أي مكون مذهبي أو قومي آخر، هو أسوأ الحلول على الإطلاق، وبالأساس الاتفاق على التهجير كان تعبيراً عن مصالح أطراف خارجية بتبرير سياسي، لأجل إجراء تغيير ديمغرافي يخدم توجهاتها في تمزيق سوريا، لقد ارتكبت الفصائل المسلحة من الطرفين حماقات مدمرة للتعايش المشترك، خدمة لأطراف خارجية لها مصلحة في تدمير سوريا”.
محافظة الحسكة
تتميز محافظة الحسكة أقصى شرق سوريا، بنسيج اجتماعي متنوع، ما بين عرب وأكراد وآشوريين وكلدان وسريان، وسرعان ما خرجت مظاهرات مناهضة للنظام في المحافظة، لكن بالتوازي مع المظاهرات برزت وحدات الحماية الكردية التي تعرف بتنظيم PYD، وقد اتهمها معارضون أيضا بارتكاب عمليات تغيير ديمغرافي بحق العرب من أبناء المنطقة.
في هذا السياق قال مدير شبكة الخابور ابراهيم حبش، لـ”العربية.نت”، إن “التهجير شمل عددا من المناطق والقرى التي ثارت على النظام، ككتل حميس، وتل براك، والهول، وتل تمر، وجبل عبدالعزيز، ومناطق من الرقة، وريف حلب كمنبج، وتل رفعت، حيث قدر عدد المهجرين من هذه المناطق حوالي 500 ألف مهجر”.
عفرين وانتهاكات فصائل تركيا
سيطرت فصائل المعارضة السورية مدعومة من تركيا على مدينة عفرين وقراها بريف حلب في آذار 2018، ومنذ ذلك التاريخ يتهم ناشطون أكراد تلك الفصائل بتهجير سكانها ذات الغالبية الكردية، وإحلال المهجرين من الغوطة الشرقية ودرعا وحمص في منازل المهجرين، وقراهم.
وأكد الباحث الكردي زكريا حصري، وهو ينحدر من عفرين، للعربية.نت، أن “عمليات التغيير الديمغرافي الممنهجة برعاية تركية جرت عبر نقل الفصائل العسكرية مع عائلاتهم والمدنيين الموالين لهم من مناطق الغوطة الشرقية، وعلى رأسهم فصيل جيش الإسلام من مدينة دوما ومرج السلطان، وفيلق الرحمن من مناطق عربين وحمورية وجوبر، إضافة إلى حركة أحرار الشام الإسلامية من حرستا، وجيش الفسطاط والذي يضم أحرار الشام، وجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً)، كل هؤلاء جرى توطينهم في عفرين”.
وبحسب حصري “تم تهجير ما يزيد على 400 ألف من سكان عفرين الأصليين بهدف فرض واقع ديموغرافي، ومنع عودة المهجرين قسرياً إلى بيوتهم ومدنهم، وخاصة من مخيمات مناطق الشهباء ومحيط نبل والزهراء حيث يتواجد حالياً حوالي 200 ألف مهجر موزعين على أربعة مخيمات وبعض المدن والقرى”.
ومن الانتهاكات التي أقدمت عليها فصائل تركيا العسكرية في عفرين وفق حصري، “سياسة الخطف والاعتقالات اليومية بهدف الترهيب والإجبار على التهجير والنزوح أو بهدف طلب الفدية، حيث تم خطف أكثر من 6 آلاف مدني من كلا الجنسين، ولا يزال أكثر من 3300 مختطف مصيرهم مجهول حتى الآن، ولعل المثال الأخير كان العثور على العشرات من النساء المختطفات في مقر قيادة فصيل (الحمزات ) بمركز مدينة عفرين بتاريخ 28\5\2020، إثر اقتحام المقر من قبل فصيل (جيش الاسلام) على خلفية نشوب صراع مسلح بينهما على المسروقات والنفوذ”.
تهجير برعاية إيرانية
كبير مفاوضي المعارضة سابقاً المحامي محمد صبرا، أكد للعربية.نت، أن حوالي 40% من المناطق العمرانية في سوريا تدمرت بالكامل، إضافة لحوالي 20%، من هذه البنية تضررت بشكل كبير، بحيث إنها لم تعد قابلة للسكن من دون إصلاحات ضرورية”، مضيفاً “ما يهمنا الآن هو أن البنية المدمرة بالكامل تشمل مراكز مدن كبرى، إضافة لمدن صغرى، أو المدن تحت 100 ألف من عدد السكان، وهذه البنية العمرانية ليست مجرد بيوت بل هي عبارة عن نسيج اجتماعي وعلاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية، بنيت عبر مئات السنين، وبالتالي تهشيم هذه البنية سيسهل عملياً من تغيير نوعية السكان، وإحلال سكان جدد ينتمون لبنية دينية وعرقية مختلفة، هذا نراه بكثافة في محيط مدينة دمشق وفي محافظة حمص وفي محافظة دير الزور وفي محافظة الحسكة”.
وتابع “المشكلة ليست في القوانين التي صدرت من قبل النظام ، مع أنها بحد ذاتها تعبير عن جريمة كبيرة بحق المواطنين، لكن المشكلة هي في بعثرة المجتمعات المحلية وتهجيرهم في شتات كبير جداً، ومن المعروف أن اللاجئ الذي يجد ظروفاً موالية له من حيث العمل والسكن والتعليم فإنه بعد خمس سنوات من اللجوء من الصعب أن يعود، لأنه سيكون قد بنى شكلاً لحياته لا يمكن أن يهدمه من جديد ويذهب إلى المجهول، الجريمة الأساسية التي ارتكبها النظام هي جريمة التهجير، وهذه جريمة حرب، والقوانين التي صدرت لاحقاً هي مجرد نتائج لهذه الجريمة الأصلية”.