كتبت جويل رياشي في “الأنباء الكويتية”:
تسدل الستارة في الساعات القليلة المقبلة على سنة 2020 في الحياة اليومية اللبنانية، على أمل ان تختلف عنها 2021 في الشكل والمضمون بنسبة 180 درجة، اذ يستذكر اللبنانيون مآسي لم يعرفوا لها مثيلا في تاريخهم الحديث.
لطالما ارتبط كل شيء في دولة لبنان الكبير التي أعلنها الجنرال الفرنسي غورو في الأول من أيلول 1920، بذكرى الاستقلال في 1943 وبالحرب الأهلية بين 1975 و1990. إلا أن 2020 جمعت أحزانا تخطت حقبة الحرب، فكانت حربا من نوع آخر اقتصادية بعيدة من أزيز الرصاص ودوي المدافع، خرقها صوت انفجار 4 آب في مرفأ بيروت، الذي دمر أحياء كاملة من العاصمة اللبنانية، وألحق أضرارا في دائرة قطرها 18 كيلومترا مربعا.
العد التنازلي لمئوية لبنان الكبير بدأ بشح الدولار الأميركي، وصولا الى انقطاعه اعتبارا من شباط وحصر الحصول عليه في السوق السوداء، وقصر وجوده في بعض المصارف على ما بات يعرف بـ «الدولارات الطازجة»، التي تأتي من الخارج، أي للبنانيين الذي يتلقون تحويلات بالعملات الأجنبية.
شح العملة الخضراء انسحب شحا في الحصول على العملة الورقية اللبنانية، بعد خفض المصارف سقوف السحوبات للأفراد على اختلاف ملاءاتهم المالية. وترجم ذلك أزمة نقدية في السيولة، مع انهيار البطاقات الممغنطة التي لم تعد صالحة للاستعمال داخل لبنان وخارجه.
الأزمة انتقلت الى المواد الغذائية والطبية، اذ تعذر الحصول على بضاعة وأدوية مستوردة، فباتت حبة البنادول التي تستخدم للعلاج من الصداع، عملة نادرة في الصيدليات، التي غابت أدوية كثيرة عن رفوفها. والشيء عينه انسحب على قطاع المحروقات، فكانت طوابير متنقلة بين المناطق أمام محطات الوقود، ومرات قليلة أمام الأفران. طوابير «غب الطلب»، تعكس أزمة لن تعرف نهاية قريبة الا مع تحرير أسعار السلع، عبر رفع الدعم الحكومي عنها، ويعني ذلك مزيدا من الإرهاق على كاهل المواطنين.
أمور كثيرة تبدلت في يوميات اللبنانيين الذي شعروا بأنهم عادوا الى الخلف، وباتوا يعيشون تجارب دول أوروبا الشرقية سابقا التي كانت تدور في فلك المنظومة الاشتراكية.
سلع كثيرة غابت أو أصبحت بعيدة المنال، بينها الأحذية الرياضية مع إقفال عدد من المتاجر الرياضية المعروفة في البلاد، والتي شهدت بدورها اصطفاف طوابير من المواطنين، تمونوا من هذه البضائع الرياضية من الماركات المعروفة العالمية التي سيفتقدونها لفترة لا يبدو أنها قصيرة.
التموين تعدى المأكولات التي كانت تخزن لفصل الشتاء لقاطني القرى والأرياف. هذه المرة شمل الأدوية وسلع للاستعمال الشخصي والمنزلي كأدوات التنظيف ومساحيق الغسيل، وصولا إلى تبديل المجوهرات والحلى بسبائك وليرات ذهبية قابلة للتسييل في أي وقت وأي مكان في البلاد أو خارجها.
إقبال كثيف على العمل في الخارج سعيا لتحصيل العملة الخضراء (الدولار الأميركي)، قابلته بطالة وركود في قطاع المطاعم والفنادق والسياحة عموما وكذلك البناء، ونشاط لافت في الإيجار بدلا من التملك بسبب غياب القروض المصرفية الناجمة عن انهيار القطاع المصرفي.
مئوية لبنان الكبير تزامنت مع زيارتين لرئيس دولة الانتداب سابقا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كانت العلامة الفارقة خلال «الثانية» تكريم سفيرة لبنان الى النجوم السيدة فيروز في منزلها بالرابية، وتقليدها وسام جوقة الشرف الفرنسية من رتبة كوموندور. وتخلف ماكرون عن زيارة ثالثة كانت مقررة في القسم الأخير من ديسمبر بسبب إصابته بفيروس كورونا.
يوميات جديدة ستبدأ في 2021، مع أمل أن تغيب عنها المآسي والكوارث الطبيعية. سنة يريد فيها اللبنانيون غياب تداعيات مماثلة لانفجار المرفأ. سنة يريدونها أقل فقرا، ويتطلعون الى إعادة عقارب الزمن للدوران الى الأمام وليس الى الخلف.