كتب منير الربيع في “المدن”:
في اليوم الأخير من سنة 2020، كان لافتًا اجتماع رئيس الجمهورية ميشال عون بأعضاء الوفد اللبناني المكلّف التفاوض حول عملية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. وجاءت دعوة عون الوفد إلى الاجتماع من خارج التوقعات، أو من دون أسباب ظاهرة تشير إلى تقدّم معين أو تحرك على خطّ المفاوضات يستدعي عقد الاجتماع.
رسائل عون الكثيرة
ولكن معلومات تؤكد أن عون يسعى بكل ما أمكن لإعادة تحريك المفاوضات، ووضعها على السكة في المرحلة المقبلة. فمنذ لحظة تشكيل الوفد المفاوض اعتبر أن الملف من صلاحياته، وهو الذي يدير شؤونه كافة، لا رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
وتشير المعلومات إلى أن دعوة عون لعقد الاجتماع تنطوي على أكثر من إشارة:
التأكيد مجددًا أن الملف من صلاحياته، وليس من صلاحيات أي طرف آخر. وإيصال إشارة إلى الأميركيين المهتمين إلى حدّ كبير بهذه المفاوضات، بغض النظر عن الإدارة الأميركية الموجودة في البيت الأبيض، تفيد برغبته في استئناف التفاوض.
ويريد عون لهذا الملف أن يكون فاتحة متجددة لعلاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية، وتحسينها كشريك أساسي على أي طاولة تفاوضية في المرحلة المقبلة. وهو يعلم أن أي تقدم أو إيجابية تتحقق من خلال إعادة إحياء المفاوضات، ولو شكلًا، من شأنها أن تنعكس إيجابيًا عليه وعلى عهده، الذي سبق أن كانت لديه مواقف كثيرة تراهن على المفاوضات لتخفيف الضغوط الخارجية عليه.
وفي حال تمكن عون من إحياء المفاوضات، يتحسن وضعه في عملية تشكيل الحكومة في إطار المواجهة التي يخوضها مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري.
إيران: تهدئة بلا تنازل
وفي مقابلته التلفزيونية الأخيرة، قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله إن الوصول إلى اتفاق أو حلول على خط ترسيم الحدود مستبعد في هذه المرحلة، موحيًا أن الأمر مؤجل نسبيًا.
ومعروف أن “حزب الله” لن يقدّم أي تنازل على خطّ مفاوضات الترسيم قبل تبلور مسار العلاقة الأميركية الإيرانية. وهذا يضع الترسيم وتشكيل الحكومة في سلّة واحدة، وبالتكامل مع ملفات أخرى، لتصبح الاستحقاقات اللبنانية كلها مترابطة في بقائها على رف انتظار التطورات الإقليمية.
أما عون فيحاول استباق أي تطور: يحضّر الأرضية التي يراها مناسبة وفق ما يريد، في انتظار لحظة تجديد جلسات التفاوض، وتحديد موعد استئناف جلسات التفاوض، التي تشير التوقعات إلى استئنافها في شهر شباط المقبل.. بعدما تكون الإدارة الأميركية الجديدة قد بدأت بإعداد ملفاتها الإقليمية والدولية.
لكن هذا كله رهن بعدم حصول تطورات تنسف كل المساعي الهادفة إلى استمرار التهدئة، فيما تقترب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. لتتزاحم المواقف الإيرانية التصعيدية ضد مصالح وأهداف أميركية في المنطقة، ومهددة بتنفيذ ردها حفاظًا على قوتها الرادعة ومنع تآكلها.
وفي المقابل، تشهد المنطقة حركة لافتة للقوات الأميركية: إرسال قاذفات بي 52. وإجراء عمليات إعادة تموضع عسكرية في العراق، تحسبًا لحصول أي تطور قد يؤدي إلى تصعيد المواقف والدخول في مواجهة عسكرية.
أما إيران فتحاول تمرير هذه المرحلة الدقيقة التي تمتد على مدى 14 يومًا، ما بين 6 كانون الثاني والعشرين منه. فهي لا تريد الانزلاق إلى استفزاز أميركا وإسرائيل، لئلا يؤدي ذلك إلى حصول مواجهة لا تريدها طهران. وتمرير الوقت ينطوي على تهدئة في الساحات والملفات كلها.
وهذا يفرض على “حزب الله” الانتظار وعدم تقديم أي تنازل، وعدم الإقدام على أي تصعيد، في انتظار خروج ترامب من البيت الأبيض.