حفلت الساعات الأولى من العام 2021 كما آخر ايام العام المنصرم: بالتهديدات الإيرانية – الاميركية المتبادلة. فالمواقف والتصريحات التي صدرت عن الطرفين واكبت سلسلة الإجراءات الأميركية التي تحدثت عن تحركات للبوارج الحربية واحدى الغواصات النووية باتجاه مياه الخليج مع طلعات متجددة لطائرات الـ “B52”. وهي تحركات ارتفعت الى الذروة وتزامنت مع الذكرى السنوية الاولى لمقتل قائد لواء القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني في بغداد مما اعطاها ابعادا مختلفة عن السابق.
وتعتقد مراجع دبلوماسية عبر “المركزية” انها ليست المرة الاولى التي ترتفع فيها لهجة التهديدات المتبادلة بين العاصمتين الاميركية والإيرانية منذ ان تكررت احداث العام الماضي التي قادت الى هذه الاجواء. فصبيحة الاول منها اغتال ترامب اللواء سليماني وقبل انتهائه بقليل قتل العالم الإيراني الذي عرف بأب القنبلة النووية الايرانية محسن فخري زاده. ولأن ايران لا تفرق بين واشنطن وتل ابيب فقد توعدت بالرد. وهو ما اعطى المواقف الاخيرة للبلدين ذات السقوف العالية معنى آخر في توقيتها وشكلها والمضمون.
وعليه، يمكن التوقف عند بعض الملاحظات ومنها:
في التوقيت تزامنت هذه المواقف مع الأيام الأخيرة المعدودة للرئيس الجمهوري في البيت الابيض دونالد ترامب الذي بالغ في استخدام كل اشكال الضغوط على القيادة الإيرانية منذ ان انسحب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 14 تموز من العام 2014 مع مجموعة الـ (5+1) والتي واكبها بسلسلة من العقوبات الإقتصادية التي طالت القطاعات الحيوية الإيرانية وصولا الى ثروتها النفطية وما تركته من الأزمات التي تعاني منها الجمهورية الاسلامية على اكثر من مستوى. وكل ذلك لا يقلل من الربط الذي حصل في المنطقة وما اعلن عن قطع الرئيس ترامب اجازته العائلية في فلوريدا والعودة الى البيت الابيض قبل ساعات قليلة من الاستعداد للاحتفال بالعام الجديد من دون الحديث عن الهدف او الغاية التي دفعته الى هذه الخطوة العاجلة أكانت داخلية ام خارجية.
وفي الشكل ايضا تزامنت التحركات الأميركية البحرية والجوية الاستثنائية مع اجواء اوحت بامكان ان يقوم ترامب بعمل عسكري صاعق باتجاه ايران او اي موقع آخر في المنطقة ليفرض امرا واقعا جديدا يلزم بنتائجه الرئيس ترامب الذي يستعد لمغادرة البيت البيض خلفه الرئيس جو بايدن الذي يستعد بدوره الى دخوله بمجموعة من الخطوات التي تمنعه من تغيير اسلوبه في التعاطي مع الأزمة الإيرانية وهو ما لا يشتهيه ترامب.
اما في المضمون فمن الصعب تقدير ما يمكن ان تؤدي اليه التحركات الأميركية وردات الفعل الإيرانية التي باشرتها في مياهها الإقليمية من امكان وقوع حادث عسكري تقليدي يقود المنطقة الى واقع جديد لم تعرفه منذ سنوات سبقت انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية وعملية “عاصفة الصحراء” التي قادتها الولايات المتحدة ضد نظام صدام حسين في اعقاب احداث 11 ايلول 2001.
وانطلاقا من هذه القراءة، فقد تزامنت هذه التحركات البحرية غير التقليدية والروايات التي تحدثت عن تحضيرات ايرانية لمواجهة البوارج الأميركية “لتسقطها بشباك الصيد” كما قال احد كبار القادة العسكريين الإيرانيين في مرحلة افيد فيها ان ايران زرعت الممرات البحرية في منطقة الخليج العربي التي تشهد حركة ناشطة لحاملات النفط بالالغام في اعقاب اكتشاف إحداها ملتصقة باحدى السفن البريطانية في منطقة الخليج.
ولا يهمل هذا الربط بين ما يجري في المنطقة وتحذيرات لقائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآاني، للرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن “عملا انتقاميا لدماء قائد الفيلق السابق قاسم سليماني قد ينطلق من داخل الأراضي الأمريكية نفسها”، معتبرا أن “ترامب شخصية قذرة ومجرمة لا تلتزم بأي مبادئ، عندما اغتال قاسم سليماني بتحريض من إسرائيل والسعودية”.
وامام هذه الوقائع التي تثير القلق من دون وجود اي سيناريو يمكن توقعه للايام المقبلة فقد توقفت مراجع دبلوماسية امام مضمون رسالة البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة قبل ساعات والتي تحذر من أي مغامرة أميركية في الخليج تزامنا مع تصريحات لمسؤول اميركي قال فيها ان “إيران تخطّط للهجوم على قوات أميركية في المنطقة”. وكل ذلك يجري بعد تحذيرات اطلقها وزير الخارجية الايرانية محمود ظريف من الكويت في اعقاب لقائه مع نظيره الكويتي أحمد ناصر المحمد، من مخاطر ما سماه “بعض التحركات المشبوهة والأذى الأميركي في المنطقة”، مؤكدا سلفا أن “واشنطن ستكون مسؤولة عن تبعات أي مغامرة محتملة”.
على كل حال، وفي ظل هذه السيناريوهات المتناقضة التي تحمل في طياتها مشاريع حرب محتملة وجدية للغاية سنشهد وقائعها خلال ايام قليلة وربما ستكون وهمية. ولذلك ليس من السهل على اي كان، او قد لا يكون من المفيد الحسم بشانها. وعليه تتكرر الأسئلة عمن سيطلق الطلقة الاولى واشنطن ام طهران وهل سيكونا في سباق محموم مع من يفشي سرا لم يعد عميقا في ظل رفض الكونغرس باكثريته الجمهورية من ابناء حزبه تصرفات ترامب الى جانب الأقلية الديمقراطية بتعطيل اقتراحه لموازنة الدفاع الاميركية وهو ما يوحي بالعكس تماما.