كتبت صحيفة “الأخبار”:
لا أمل تحمله بداية العام بتشكيل الحكومة. العقد التي انتهى العام الماضي مثقلاً بها يهملها العام الجديد. لا أفق واضحاً ولا مبادرات جدية يمكن أن تعيد سعد الحريري إلى بعبدا للبدء مجدداً بمناقشة الملف الحكومي. وأمام عاصفة التصريحات والتصريحات المضادة التي تناولت الدور الإيراني في لبنان، وحدهما البطريرك الماروني ورئيس الحزب الاشتراكي لم يغب ملف الحكومة عنهما. الأول دعا الى وقف المحاصصة والثاني دعا «الممانعة» الى تحمل المسؤولية.
كما انتهت 2020 بدأت 2021. لا أبواب مفتوحة أمام أي محاولات لتذليل العقبات التي تواجه عملية تأليف الحكومة. وبعدما ذهبت سكرة الأعياد وأتت الفكرة، تبيّن أن الأولوية المطلقة هي لمعالجة الانهيار الصحي الوشيك. ولذلك، بدت الحكومة آخر الاهتمامات، وخصوصاً أن لا مؤشرات جدية لحدوث أي حلحلة للعقد المستعصية التي تواجه تأليفها.
البطريرك الماروني بشارة الراعي رأى في عظة الأحد أن الحكومة لن تتألف إلا من خلال لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلف واتفاقهما على تأليف حكومة مميزة باستقلالية حقيقية، وتوازن ديموقراطي وتعددي، وبوزراء ذوي كفاية عالية في اختصاصهم وإدراك وطني بالشأن العام. وهو إذ رأى أن تبادل الاتهامات بين المسؤولين والسياسيين حول من تقع عليه مسؤولية عرقلة تأليفها لا يفيد، أشار إلى أن الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري قادران على اتخاذ هذا القرار «المسؤول والشجاع» إذا أبعدا عنهما «الأثقال والضغوط، وتعاليا عن الحصص والحقائب، وعطلا التدخلات الداخلية والخارجية المتنوعة، ووضعا نصب أعينهما مصلحة لبنان فقط».
وفي فترة انتظار عودة الإقفال العام، تردد أن وفداً من مجلس الشيوخ الفرنسي سيزور لبنان لإجراء محادثات مع المسؤولين اللبنانيين. ورغم أن هذه الزيارة قد تساهم في عودة تحريك ملف المفاوضات، إلا أن أحداً لا يتوقع أن تؤدي إلى خرق في مرحلة انتظار الجميع للعشرين من كانون الثاني، موعد رحيل إدارة دونالد ترامب.
لكن في المقابل، كان وليد جنبلاط يزيد من قتامة المشهد الحكومي. وعبر «تويتر»، قال: «في تصريحي السابق للأنباء قلت إن إيران تنتظر أن تحاور الإدارة الأميركية الجديدة، وإن حكومة اختصاصيين نوع من البدعة فقامت القيامة». وأضاف: «اليوم، ورياح المواجهة تهب من كل مكان، أليس من الافضل أن يتحمل فريق الممانعة مسؤولية البلاد مع شركائه، ولماذا التورط في المشاركة حيث لا قرار لنا بشيء؟».
في هذا الوقت، وفي ظل الفراغ القاتل، احتل كلام قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي زادة يوم السبت الماضي صدارة السياسة في لبنان. زادة كان قد قال إن «كل ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية، تم بدعم إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة». لكن في المقابل، عملت الماكينة الإعلامية لفريق 14 آذار على تحوير كلام قائد القوات الجوية الإيرانية، لتتهمه بالاعتداء على سيادة لبنان عبر التدخل في قرار حربه وسلمه. استند هؤلاء إلى خبر عاجل بثّته «العربية» ينقل عن زادة قوله إن «صواريخ لبنان وغزة كلها من دعمنا وهي خطنا الأمامي لمواجهة إسرائيل»، لتتوالى التصريحات التي تستند إلى ما نُقل عن زادة، وتؤكد أن إيران تستعمل لبنان كمنصة لخوض حروبها ضد أميركا وإسرائيل. لكن في الترجمة الحرفية لما قاله زادة، تبيّن أنه قال: «لاحظوا معي، لا ينحصر الأمر بغزّة ولبنان، وهما في الخطوط الأماميّة، لكن كما صرّح الإمام الخامنئي، نحن سندعم كلّ من يقف بوجه الكيان الصهيوني، وبطبيعة الحال، ما نراه اليوم في غزّة ولبنان من قدرة في إنتاج القوّة الصاروخيّة، كان كلّه بدعم ومساندة من الجمهوريّة الإسلاميّة وفي ظلّ قيادة وإدارة الحاج قاسم سليماني». وكان واضحاً أكثر في ما قصده عبر قوله «نحن نعلّم جبهة المقاومة على صناعة صنارة الصيد، بدلاً من تقديم السمك، ولبنان وغزة يمتلكان تكنولوجيا صناعة الصواريخ»، لافتاً إلى أن «قدرات محور المقاومة لم تعد كما كانت قبل عشر سنوات، واليوم يطلق الفلسطينيون الصواريخ بدلاً من رمي الحجارة».
وبعدما كان معارضو حزب الله قد انكبّوا على التحريض على فريق المقاومة ورئيس الجمهورية ميشال عون، معتبرين أن الأخير ساهم في تحويل لبنان الى «مقاطعة إيرانية»، نشر عون تغريدة أكد فيها أن «لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه وحرية قراره»، بينما أصدرت اللجنة المركزية للإعلام في «التيار الوطني الحر» بياناً أكدت فيه «حق اللبنانيين في الدفاع عن سيادتهم وأرضهم وثرواتهم في مواجهة أي اعتداء، من جانب إسرائيل أو غيرها». وأضافت: «يعتبر التيار أن اللبنانيين معنيّون بالحفاظ على حرية لبنان وقراره وسيادته واستقلاله، وأن المقاومة التي يمارسها اللبنانيون دفاعاً عن أرضهم، يجب أن تخدم دائماً هذه الأهداف دون سواها، وأن أي دعم يتلقّونه لا يجوز أن يكون مشروطاً بالتنازل عن السيادة الوطنية أو بالانغماس في ما لا شأن لهم به».
في الإطار نفسه، أتى بيان المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان الذي استغرب «أمر بعض اللبنانيين، فبينما هذا الفريق ينبطح للسفيرة الأميركية ويدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعادة الانتداب على لبنان ويطبّل للدعم الأميركي الهزيل للجيش اللبناني زمن معركة الجرود التي حسمت حقيقة أن المساعدة الأميركية مجرد خردة، تراه متبجّحاً للدفاع عن السيادة التي حوّلها إلى إذلال ومهانة وقتل وإمارات ميليشيوية زمن الاحتلال الإسرائيلي. ورغم أن صواريخ قاسم سليماني وقدرات طهران التسليحية للمقاومة هي التي حسمت معارك التحرير والنصر وأكدت سيادة لبنان واستعادت قراره ومؤسساته الوطنية دون مقابل، فإن البعض يرى السيادة بعين عوكر وحواجز الذبح وإدارة الخوات الذاتية والتبعية للمال الأسود بخلفية نعيق مدفوع الأجر». وأكد أن «لا سيادة دون صواريخ قاسم سليماني، والمسؤول عن نهب البلد وتفليسه والإتجار بملفاته الإقليمية هو أنتم وليس صواريخ قاسم سليماني الذي ساهم في التحرير ودعم المقاومة التي استعادت البلد، وإذا كان لا بد من تمثال حرية وسيادة فهو لقاسم سليماني وليس للخونة والسماسرة مهما اختلفت أسماؤهم، وكفاكم سُمّاً وأكاذيب وخيانة لهذا البلد». فرغم «أننا تنازلنا كثيراً وفي كل المراحل من أجل مصلحة لبنان، إلا أن هناك من يريد لبنان مجرد عميل لعوكر ومستعمرة لتل أبيب وبرميل نفط مجيّر لهذا وذاك، وهذا لن يمرّ أبداً في لبنان، ومع ذلك لن تمر مشاريع الحرب الأهلية وقنابل الفيدرالية ولعبة الشوارع المفخخة بالزعاف الأميركي».