كتب أسامة القادري في صحيفة “نداء الوطن”:
متلازمان لا ينفصلان، الأمن والإقتصاد، فكلّما تردّى الإقتصاد السياسي والإقتصاد الإجتماعي، وسجّل ارتفاعاً في منسوب البطالة والفقر والجوع، ازداد الوضع الامني سوءاً وتعقيداً، ومعه تبدأ علامات الترهّل في صورة هيبة الدولة، ويُمسي سيف الفوضى هو الفيصل في الواقع اللبناني، ليتغلّب السلاح اللاشرعي على منطق القانون والنظام العام، تارة تحت حجّة الأمن الذاتي وطوراً بحجّة انّه سلاح المقاومة وسراياها المتشعّبة المهام والأشكال، فتسلك الدولة طريقها الى الإنحلال والتحلّل، حتى إسقاط الهيكل، ليستفرد بإعادة تركيبها من يحملون سلاح السلب والتشليح.
ففي منطقة البقاع، بدت الصورة أكثر وضوحاً، وبسبب تزايد هذه الحوادث والسرقات، خرجت أصوات بقاعية تطالب باعتماد الأمن الذاتي لحماية أموالهم وأولادهم من هذه العصابات المتفلّتة.
استسهل أفراد عصابات التشليح والسلب والسطو، التنقّل على كل الأراضي البقاعية وهم بكامل أعتدتهم “التشليحية”، ليحوّلوا الطرقات الرئيسية والفرعية وبشكل يومي، مسرحاً لعمليات السلب والسرقة والسطو بقوّة السلاح وحتّى في وضح النهار، وامام أعين الأجهزة الأمنية والعسكرية، مرّة بانتحال صفة أمنية، ومرّة باعتماد أسلوب المواكبة للإيهام بأنّهم مرافقون لسياسيين، ما يضع الأجهزة في حالة ارباك وبالتالي يزيد من ارتكاب الجريمة اضعافاً مضاعفة.
أكثر من 40 عملية سرقة
ففي البقاع الأوسط، سُجّل في الآونة الاخيرة في أقّل من شهر أكثر من 40 عملية سرقة وسلب وسطو مسلّح، حيث يكمن افراد العصابة على طرقات شتورا المصنع على الأوتوستراد العربي، وأيضاً على طريق دير زنون ـ رياق، وكذلك الدلهمية – زحلة المدينة الصناعية، وكسارة الفرزل وأبلح بعلبك، وطريق قبّ الياس ـ المرج ـ الكسكادا مول. وفجأة يعترضون السيارة ويُنزلون سائقها أحياناً ويسلبونه سيارته وكلّ ما بحوزته، وكثيراً ما يتمّ خطف السائق والافراج عنه في سهل البقاع الشمالي، إمّا في بعلبك أو في الهرمل.
أما في البقاع الغربي، فالوضع ليس أفضل حالاً على الطرقات الرئيسية، فطريق قبّ الياس ـ عمّيق ـ مشغرة يشهد عمليات خطف، وكذلك طريق المصنع ـ المنارة ـ راشيا ازدادت عليه عمليات سرقة السيارات.
ويوضح مصدر أمني لـ”نداء الوطن” أن أكثر من 70% من عمليات السرقة، هي سلب سيارات وخطف سائقيها، حصلت في البقاع الأوسط، ومن خلال تتبّع حركة سير السارقين، رُصد أنّه يتمّ إدخال السيارات المسروقة الى البقاع الشمالي، لبيعها الى مجموعة مهمّتها نقل السيارات المسروقة الى سوريا”. ويتابع المصدر “أنّ عمليات السلب والسرقة تستعمل أساليب وطرق الأجهزة الأمنية الرسمية والحزبية خلال التنقّل، لذا، يصعب على عناصر القوى الأمنية التمييز بين سيارات قيادات حزبية وأمنية وبين مجرمين”. ليحمّل المسؤولية “الى القيادات السياسية التي تعتمد سياسة الامن بالتراضي”، ويقول: “لنُعِد هيبة الدولة ونفرض أمناً على كامل الاراضي اللبنانية، على القوى السياسية وقف مفاعيل تراخيص السلاح على انواعها، وكذلك منع استعمال “الفوميه” لأنّ اللصوص يستعملون سيارات أشبه بسيارات “حزب الله”، وبعضهم يحمل بطاقات تابعة لـ”سرايا المقاومة”، وبالتالي، أيّ عنصر يكون على حاجز أو في دورية لا يتجرّأ على توقيف هذه السيارات تحسّباً من أن تكون تابعة لـ”حزب الله”، بعدما تعرّض زملاء لهم للعقاب والفصل”.
ويكشف المصدر الأمني أنّ عصابات سلب السيارات على الأراضي اللبنانية تنقسم الى قسمين، قسم عبارة عن عصابة تسرق السيارات وتؤمّنها لمجموعة بمساعدة رجال أمن لبنانيين، وأخرى تشتريها وتجهّزها لتنقلها الى سوريا، وفي الجانب السوري فئة تستلم السيارة وتنقلها الى السوق السوداء داخل سوريا، الفئة مكوّنة من ضباط سوريين أمنيين”.
مصدر قريب من “حزب الله” اتّهم حزب “القوات اللبنانية” بالدعوة الى الأمن الذاتي، وزعم أنّ “القوات” تستغلّ بعض الحوادث الأمنية التي تحصل في ظلّ ظروف اقتصادية سيّئة، للدعوة الى الأمن الذاتي بهدف إعلان التسلّح”. وأضاف: “الأمن الذاتي تطالب فيه أي مجموعة تشعر بأنّها مغبونة ولا سلطة تحميها”.
رفض قواتي للأمن الذاتي
وفي هذا الاطار، أكّد عضو تكتّل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص أنّ أي حديث في قضاء زحلة عن الأمن الذاتي لا يعبّر عن الموقف الرسمي لـ”القوات”، بل نعتبره إسقاطاً للمشروع السياسي لـ”القوات”. وتابع عقيص: “نحن في زحلة ننطلق من ثلاث مسلّمات:
الأولى: رفض العودة الى الأمن الذاتي لأنّه يقوض مشروع قيام الدولة ومؤسساتها، ويزعزع الثقة بالجيش الذي نعتبره صمام أمان، إنّما يحتاج الى قرار سياسي للخروج من دائرة الأمن بالتراضي.
الثانية: يجب ان ندعم القوى الأمنية والعسكرية لان تقوم بواجبها الوطني على اكمل وجه.
أما الثالثة فهي تفعيل السلطة البلدية والأهلية خصوصاً في مدينة زحلة والقرى المجاورة في توسيع عديد الشرطة البلدية للتعاون مع القوى الامنية حسبما تنصّ المادة 74 من قانون البلديات.
وأردف عقيص “انّ الوضع الأمني لم يعد محمولاً، ويدعو الى القلق على هيبة الدولة، وأصبحنا أمام ظاهرة السلب والسرقة، وظاهرة الدعوة للأمن الذاتي، محكومين ولزاماً علينا ان نشرح أهمية مؤسسات الدولة، لأن هذه الشبكات أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالخارج، ومدعومة من أحزاب الداخل”.
ياسين: الأمن الذاتي يضرب العيش المشترك
فيما اعتبر المنسق العام لـ”تيار المستقبل” في البقاع الأوسط ورئيس بلدية مجدل عنجر سعيد ياسين، أن “ازدياد عمليات السرقة والتشليح بقوة السلاح، والسطو على سيارات اهالي المنطقة، من قبل أشخاص ينتحلون صفات امنية وعسكرية، يعطي صورة خطيرة عن الوضع الامني العام في البقاع، وينذر بواقع سيّئ في حال استمرت الامور من دون اجراءات امنية حازمة، وبالتالي يؤدي الى الفلتان الامني والفوضى، ويكون سبباً لدعوات الامن الذاتي وهنا تكون الطامة الكبرى”.
وقال: “نحن كتيار “مستقبل” ندعو المؤسسات الامنية والعسكرية الى أن تضرب بيد من حديد، وتضع حدّاً للفلتان الامني لأن البلد لا يتحمّل دعوات للامن الذاتي الذي يعزز الكانتونات ويضرب العيش المشترك، كما يضرب آخر مداميك قيام الدولة والثقة بالأجهزة والجيش”.