تحدّث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير، بنوع من “الفوقية” مع اللبنانيين. هو اعتبر ان احدا في العالم ما كان لينتبه لوجودهم لولا وجود حزب الله والمقاومة وصواريخها المرسلة من ايران. وذهب الى حد القول لهم ان املهم الوحيد بالخروج من المأزق المالي الذي يغرقون فيه اليوم، هو الثروة النفطية، التي ايضا، تحرسها وتحميها المقاومة، وإلا، لكان العدو الاسرائيلي وضع يده عليها واستباحها.
في موازاة هذه النبرة الاستكبارية – الاستعلائية، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”- مستعيرة هذه العبارات من قاموس محور الممانعة الذي عادة ما يستخدمها لتوصيف تعاطي الاميركيين مع العالم- كان الحزب وأنصاره يرفعون مجسّمات وصورا لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني الذي قتل في غارة اميركية على الاراضي العراقية، في لبنان، بقاعا وجنوبا وفي قلب العاصمة وضواحيها. لكن الاخطر ان هذه العملية لم تقتصر على المناطق التي لحزب الله نفوذ فيها أو حضور شعبي، بل امتدت الى مناطق لا بيئة حاضنة له فيها، بل على العكس.
فقد لصق مؤيدوه صورة سليماني على مجسم الثورة في قلب بيروت، قبل ان يرفعوا له صورا في نهر الكلب ايضا! هذه الخطوة الاستفزازية لم تمر دون ردة فعل. فقد احرق عدد من المواطنين من اهل المنطقة، الصور هذه، امس، رافعين في المقابل، صورا للرئيس الشهيد بشير الجميل والرئيس رفيق الحريري، حسب ما أظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على وسائل منصات التواصل الاجتماعي.
على الاثر، سُجل مساء امس انتشار كثيف للجيش على مداخل عين الرمانة، وسط مخاوف من ردات فعل، على خطوط التماس التاريخية هذه، بين سكانها المؤيدين للقوات اللبنانية والكتائب، من جهة، وسكان منطقة الشياح الداعمين لحزب الله وحركة امل، من جهة ثانية. كل ذلك، في حين افيد عن تجمعات تحت جسر المشرفية تم خلالها حرق صور الرئيس بشير الجميّل.
وكان مجهولون اقدموا على إحراق صور لسليماني على طريق عام بريتال السبت الماضي، كما وقع ليل الأحد – الاثنين إشكال بين أنصار لـ«حزب الله» و«الحزب الشيوعي» في بلدة عدلون جنوبا، تخلله تمزيق متبادل لصور رموز وقادة تابعين للطرفين.
بعد سرد هذه الوقائع، تسأل المصادرالمعارضة، هل يعرف الامين العام لحزب الله تداعيات نبرته وتصرّفات حزبه، على الوضع اللبناني الهش؟ إن كان يعلم، فهذه مصيبة وان كان لا يعلم، فالمصيبة أكبر. مواقف الحزب وممارساته توتّر الساحة المحلية وتنفخ في نار الفتنة الاهلية وتتهدد باشعال نيرانها. فهل هذا ما يريده اليوم؟ وهل من مصلحته توتير الداخل كونه الاقوى ليس فقط سياسيا، بل عسكريا وعدديا ايضا؟ اللعبة هذه خطيرة، تتابع المصادر، فاستفزاز الناس في عقر دارهم، عبر رفع صور لرموز ايرانية في مناطقهم، لا يمكن ان تمرّ مرور الكرام، ويعرف القاصي والداني، انها ستقابل بتصعيد. وعليه، وإن كان الحزب لا يريد اذكاء الصراعات المذهبية والسياسية في لبنان، فالمطلوب من امينه العام أولا الاقلاع عن الخطاب التحريضي، الذي يعتبر فيه ناسَه، من الدرجة الاولى، فيما الباقون فئة أدنى لا وجود لهم لولا صواريخ الحزب، وثانيا، ضبط قاعدته وردعها عن كل ما يثير الفتن والحزازيات.. فهل يفعل؟ الجواب قد يأتي في خطابه المنتظر في الايام القليلة المقبلة والذي سيتطرق فيه الى الملف اللبناني.