كتبت مها محمد الشريف في صحيفة “الشرق الأوسط”:
من الطبيعي أن تكون إيران هي الشغل الشاغل للعالم، وأن تكون الموضوع المسيطر على وسائل الإعلام طوال الوقت، فكل حراك لأميركا والغرب بمنطقة الشرق الأوسط سيتمحور حول إيران، من الاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي إلى تحجيم دورها بالمنطقة، وإيقاف الفوضى التي صنعتها في الدول بإعادة بناء سياسي واقتصادي واجتماعي، مع استمرار الاتجاه لحل القضية الفلسطينية، ويمكننا أن نسأل في هذا الشأن: لماذا إيران تقدم منذ وقت طويل الدعم المالي لـ«حماس»؟ وكيف لنا أن نقدر مدى استفادة إيران من حالة الفوضى بالمنطقة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية؟ وهي الدولة التي كانت في فترة حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي تشتري أسلحة من إسرائيل، وباعتراف محمود الزهار القيادي في «حماس»، بأن الجنرال سليماني سلمه 22 مليون دولار مما يوضح سيطرة إيران على قرار «حماس» وتوجيهها لعمل كل ما من شأنه تقويض أي جهود دبلوماسية لحل القضية الفلسطينية.
وهكذا، انقسمت فلسطين بين سلطتين أحدها تابع لطهران، وكذلك لبنان أحدها يسير خلف «حزب الله» الإيراني المسير من طهران، مما أدى إلى انهيار لبنان اقتصادياً، وذات الأمر يحدث في العراق وسوريا، وفي اليمن يقوم الحوثي بقتل أبناء بلاده بأمر من إيران، فالخيانة لدى هذه الطوابير التي تخدم طهران حيوية تهدم الروابط وتنقضها، وتظل كامنة في أفعال الإنسان ليعيش بألف وجه، ويبقى فاقد القيمة لا يكاد يرى غصن الزيتون حتى يخوض حرباً ضد بلاده وأمته، يرى كل شيء عكس ما وجد له.
وبذلك سقطت أوطان عربية في قبضة إيران، ويتحسر حلفاء إيران الإقليميون في لبنان والعراق وسوريا واليمن وغزة إحياءً لذكرى المجرم سليماني، وأمام صوره التي ملأت شوارع مدن، ردَّد أولئك عبارات لا معنى لها بأن قتلة سليماني «لن يكونوا بأمان في أي مكان من العالم»، كما قال كبيرهم رئيس السلطة القضائية في إيران إبراهيم رئيسي في إحياء الذكرى الأولى لمقتل أبرز قادتها العسكريين بضربة أميركية في العراق.
لطالما كانت العوائق والقيود قلعة حصينة تحمي أنشطة طهران تلعب فيها دور الطاغية تستبيح المحرمات، وتتجاوز القوانين الدولية تستجلب للحاضر بؤس حروب الماضي، وتقلب مشهد العالم إلى جانبها تبيع وتشتري في مصالح الأمم، وتخرب قواعدها وتنتهك سيادتها عبر ميليشياتها وأذرعها كوسيلة لتحقيق المطلوب منها. وهكذا تمضي إيران في سيناريوهات التخريب، تاركة دول المنطقة تغوص في الفوضى والخراب والمجهول الخفي، بدل الالتفات للتنمية والتعمير.
تقول المؤشرات المتاحة باحتمالية تفكير النظام الإيراني بإلحاق الضرر في المصالح الأميركية، مع إحياء الذكرى الأولى لمقتل قاسم سليماني، والذي لقي حتفه بغارة جوية أميركية في بغداد قبل نحو عام، وانهار المشهد بالكامل، وبات تخبط النظام الإيراني حديث الساعة، من تهديد ووعيد، والعبث بالمنطقة من إرسال الصواريخ للحوثي وقلاقل في العراق وفي سوريا وتدخل في لبنان لشل حركته.
تحاول أن تهدد العالم بأسره، وتتطاول على الوكالة الذرية بخططها لرفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة، فهي من دون شك تتحرر من كل الالتزامات وتزيد من وتيرة الأشكال الغامضة بما فيها العجرفة والزهو والرغبة في الانتقام.
لا شك أن إيران تمر بأزمة اقتصادية طاحنة، وزادت هذه الأزمة ضراوة بتفشي جائحة «كورونا» في البلاد، مما زاد من عناء الشعب الإيراني الذي يطمح إلى الخلاص من هذا النظام التوسعي الذي قضى على لقمة عيشه وأفقره.