صحيح ان عددا لا بأس به من دول منظمة التعاون الخليجي، يصنّف حزب الله منظمة ارهابية، او يرى فيه مجموعة تصدّر الارهاب الى العالم العربي وتعكّر أمنه واستقراره، غير ان الموقف من الحزب، والذي صدر عن القمة الخليجية التي عقدت في العلا في السعودية امس الثلثاء، جاء استثنائيا ومدويا. فقد أشاد البيان الختامي للاجتماع “بقرارات الدول التي صنفت حزب الله كمنظمة إرهابية، في خطوة مهمة تعكس حرص المجتمع الدولي على أهمية التصدي لكل أشكال الإرهاب وتنظيماته على المستويين الدولي والإقليمي، وحث الدول الصديقة لاتخاذ مثل هذه الخطوات للتصدي للإرهاب وتجفيف منابع تمويله”.
بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، يتّخذ الكلام الخليجي “النوعي” هذا أبعادا مضاعفة هذه المرة. لماذا؟ الى كونه تبنّى التصنيف الاميركي للحزب، فإنه صدر بالاجماع، عن قمة كان عنوانها طيّ صفحة الخلاف الخليجي – الخليجي، وإنهاء القطيعة بين دول منظمة التعاون من جهة وقطر من جهة اخرى. فالدوحة شاركت في القمة واستُقبلت بحفاوة من قبل القيادة السعودية، قبل ان يتم الاعلان، خلال القمة، عن انجاز فصول المصالحة بين الاخوة المتباعدين وعودة المياه الى مجاريها بينهم.
في الشكل اذا، أتت إدانة حزب الله، جامعةً وشاملة، والتقى عليها اهلُ البيت الخليجي كلّهم، بمن فيهم قطر، التي لطالما اعتُبرت أكثر مرونة مع ايران وفصائلها في المنطقة، من باقي دول منظمة التعاون. لكن يمكن القول بعد القمة، ان زمن هذه الليونة انتهى، وان المرحلة المقبلة ستكون لتشدد اضافي وأوسع، عربي وخليجي، في التعاطي مع حزب الله.
من هنا، يصبح السؤال: كيف ستنعكس هذه الصرامة لبنانيا؟ المصادر تشير الى ان اذا بقي حزب الله يتحكّم بمسار الامور في الداخل، أكان سياسيا، حيث يدفع مع حلفائه نحو حكومة يستطيعون التحكم بقراراتها، أو عسكريا، حيث يسرح ويمرح مقاتلوه والصواريخ ذهابا وايابا بين الاراضي اللبنانية والعربية، أو استراتيجيا، حيث يمعن في ربط بيروت بالمحور الايراني ويعتبرها ساحة في تصرّف الجمهورية الاسلامية متى دعت الحاجة، في مقابل إبعاده عن الاسرة العربية عبر مضيه قدما- دونما وازع او رادع او مسائل- في التصويب على القيادات العربية والخليجية واتهامها بالخيانة والتبعية لاسرائيل والولايات المتحدة… اذا بقيت هذه الاجواء مسيطرة على لبنان، فإن الموقف العربي – الخليجي المستجد، سيرتد حتما، مزيدا من الابتعاد عن لبنان، سياحةً ودبلوماسيةً ومالًا واستثمارات ومساعدات، ومزيدا من العزلة العربية، لوطن الارز.
الطابة اذا في ملعب بيروت وسلطاتها. اذا بقيت مستسلمة للحزب ولمشيئته، ستكون بيدها توقّع ورقة طلاقها مع محيطها العربي (ومع المجتمع الدولي كلّه الذي بات معظم عواصمه يصنف الحزب ارهابيا)، بما يعنيه ذلك من تعميق لازمات اللبنانيين المعيشية والمالية والاقتصادية… اما اذا انتفضت الدولة لنفسها واستعادت الشرعية من خاطفيها في الدويلة، وأحيت الحياد والنأي بالنفس، وهذا ما يطالب به البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وغالبية اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعا باستباحة كراماتهم والسيادة، فستكون تضع اول لبنة في هيكل نهوض لبنان من كبوته التي طالت.. فهل تتخذ المنظومة القرار الجريء؟