كتبت كلير شكر في صحيفة نداء الوطن:
على الرغم من الخلافات التي خرجت من خرم العلاقة بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات حول دفتر الشروط الذي تعدّه الوزارة لشراء مادتيّ الفيول أويل والغاز لزوم مؤسسة كهرباء لبنان، يبدو أنّ مساراً إيجايباً عاد ليحكم هذه العلاقة ولو أنّ الوزارة سبق لها أن هددت بامكانية قيامها بتلك المناقصة من دون العودة إلى إدارة المناقصات، لكنها تدرك جيداً حاجتها إلى معبر إدارة المناقصات لإضفاء الصدقية على المناقصة… ولهذا عادت إلى “بيت طاعتها”.
جديد هذا الملف، هو التعديلات التي يتمّ لحظها في دفتر الشروط بعد رفض إدارة المناقصات النسخ الأولى التي تمّ إرسالها والتي شابها بنظر رئيس إدارة المناقصات جان العلية، الكثير من التجاوزات والمخالفات التي تفقد المناقصة شروطها الأساسية، وهي عدالة المنافسة وحماية حقوق الدولة المالية.
إذ تشير المعلومات إلى أنّ وزارة الطاقة بصدد الإعداد لدفتر شروط جديد يأخذ بالاعتبار سلّة من الضوابط التي تساهم في حماية حقوق الدولة، سواء لناحية كمية الفيول المستورد ونوعيته أم لناحية حقوقها المالية، بشكل يتجاوز ما طلبته إدارة المناقصات، خصوصاً وأنّ الوقائع أثبتت أنّ “أنابيب” سوناطراك العابرة للمتوسط والتي تمدّ مؤسسة كهرباء لبنان بالفيول، تسبّبت في هدر عشرات مليارات الدولارات، ما يعني أنّ المناقصة المنتظرة، اذا ما جرت، يفترض أن تتعلم من دروس كلّفت المليارات والتي كشف القرار الظنيّ في ملف الفيول المغشوش جانباً من ألغازها وألاعيبها.
وعلى هذا الأساس، يُفترض أن يعالج دفتر الشروط الثغرات التي جعلت من لبنان مركز استقطاب “الفيول المغشوش” على عين وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان وكل الحكومات المتعاقبة التي كانت تعرقل تعديل العقد. أبرز تلك الثغرات هي استفادة الشركات من تبدّل أسعار الفيول فيتمّ تغيير تاريخ الشحنة، أو حمولتها أو حتى مسارها.
في المقابل، سيصار إلى تقليص شروط مشاركة الشركات والتي وصفت في الصيغ الأولى للدفتر بالتعجيزية، والتي قد تحول دون مشاركة العديد من الشركات التي حصرها قرار مجلس الوزراء بالشركات العالمية والوطنية (أي الحكومية)، حيث علم، وعلى سبيل المثال، أنّ دفتر الشروط اشترط أن يكون كتاب الضمان صادراً عن أحد المصارف المقبولة كفالته من مصرف لبنان، بعدما كانت النسخة السابقة تطلب من العارض التعاقد مع مصرف لبناني يضمن مصرفاً عالمياً يفترض أنه مصنفA+، وكان بمثابة شرطٍ تعجيزيّ بسبب تعثّر المصارف المحلية.
أمّا بالنسبة لضوابط الفيول، فقد عُلم أنّ الدفتر اشترط:
– أن يتضمن كتاب تسمية الناقلة البحرية، اسم الناقلة ومواصفاتها على أن تكون مزودة بنظام تحديد آلي ليتمكن الشاري من تتبعها ومراقبة مسارها من لحظة التحميل حتى التفريغ في لبنان، لمنع أي تغيير في أسعار وتواريخ بوالص الشحن، أو أي تغيير أو خلط الفيول أويل برواسب الفيول أو غيرها، والتأكد من عدم استبدال الناقلة البحرية خلال مسارها.
– منع تحميل أي ناقلة بحرية من أي ميناء تحميل بحري. وهذه الموانئ عادة ما تكون مركزاً لبيع الفيول المخلوط.
– يعيّن الشاري احدى شركات الرقابة المعتمدة عالمياً لمراقبة تحميل كل شحنة في مرفأ التحميل قبل بداية العملية المذكورة، ويبلّغ البائع بذلك.
– يرفض الشاري أي بوليصة شحن لا تتضمن ذكر مرفأ/ مرافئ التفريغ في لبنان. ويمنع على البائع استبدال الناقلة البحرية المسماة من قبله أو إلغائها الا بسبب مبرر مقبول من الشاري.
وهذه الضوابط تهدف الى مراقبة الناقلة البحرية لمنع استبدالها لأي من الأسباب من قبل البائع أو استبدال محتوياتها، ولكي لا يبيعها لطرف ثالث في حال ارتفع سعر الفيول، وتحقيق أرباح على حساب الخزينة اللبنانية.
ولمزيد من الضبط، يُنتظر أن تطلب وزارة الطاقة شطب كل شركات المراقبة التي أتى القرار الظني في ملف الفيول المغشوش على ذكرها، لمنع التعاقد معها من جديد. كما ستوجه كتاباً إلى مؤسسة كهرباء لبنان تطلب فيه تركيب عدادات ذكية على الخزانات لقياس الكميات عند التفريغ لمنع التلاعب بالكمية.
ولمزيد من الضمان في الحقوق والواجبات، فقد اشترط الدفتر إلزام الشاري بعدم التخلي عن شروط هذا العقد وعدم التنازل عن المخالفات التي يمكن أن يرتكبها البائع، في ما يعود للاعتماد المستندي باستثناء اعطاء الشاري للبائع مهلة محددة لابراز مستندات أصلية بدلاً من الصور عنها، كما نصّ على أنه في حال النزاع يتفق الفريقان على منح القضاء الانكليزي حصراً الصلاحية بشأن أي نزاع قد ينشأ.
ولمنع تكرار تجربة دخول طرف ثالث، كما حصل مع “زيد آر اينرجي”، يرجّح أن ينص على منع أي من الفريقين التنازل كلياً أو جزئياً عن أي من حقوقه أو موجباته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لأي طرف ثالث.
نظرياً، قد يكون دفتراً نموذجياً قادراً على حماية الخزينة العامة ويمنع التلاعب بالفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان. ولكن اذا لم تتوفر إرادة جدية بمراقبة كل هذا المسار، من لحظة خروج الناقلة البحرية من مرفأ التحميل إلى مرفأ التفريغ في لبنان، للحؤول دون التلاعب بمحتوياتها والاستفادة من تغيّر أسعار النفط عالمياً… فقد يذهب كل هذا المجهود سدى.