كتبت جويل رياشي في “الأنباء الكويتية”:
يعاني سوق فرن الشباك، أحد اقدم الأسواق اللبنانية وأكثرها حركة في عز الحرب الأهلية، كغيره من الأسواق اللبنانية من الركود وتبعات الأزمتين الاقتصادية والصحية اللتين أضيفتا الى انتشار ظاهرة المجمعات التجارية الضخمة التي خنقت «ثقافة الأسواق اللبنانية التقليدية». لم يكن ينقصه سوى الاقفال التام الذي يبدأ اليوم.
سوق رئيسي يمتد بطول كيلو متر ونصف كيلو متر على طريق تعرف بـ«طريق الشام» كان مقصدا لسكان العاصمة والمتن الشمالي والجنوبي والجبل قبل «ان تغزونا ثقافة المولات»، على حد تعبير احد التجار القدامى.
يبدأ السوق التجاري من تقاطع العدلية ـ بدارو، وصولا الى تقاطع الشيفروليه، المؤدي الى بعبدا صعودا والضاحية الجنوبية جنوبا.
أبنية قديمة مجددة او مرممة في أحسن الأحوال، في أسفلها محلات عريقة، بدلت (بغالبيتها) من وجهتها الى ما يعرف بـ«محلات التصفية» او outlets لجذب الزبائن.
في السوق كل شيء، من الصيدليات ومكاتب الترجمة وتصديق المعاملات وكتاب العدل والأفران والمصارف ومراكز تحويل الأموال ومحلات المجوهرات والصيرفة وبيع الأجهزة الخليوية والأحذية والألبسة الى المقاهي الصغيرة والمطاعم (من نوع سناك) التي تعتمد خدمات التوصيل.
وفي موازاة السوق الرئيسي، تتفرع شوارع فيها محال وأفران، حتى ان إحدى السيدات مازحت شقيقها الذي بدل سكنه من شارع الى شارع قريب في المنطقة بالقول: «اعتاد السكن قرب الأفران»، في إشارة إلى وفرة الأفران الكبيرة ذات العلامة التجارية المعروفة، والصغيرة التي تعود لأفراد.
الشوارع الداخلية فيها ايضا مدارس صغيرة وأخرى عريقة تعود الى إرساليات، لكن المنطقة الممتدة بمساحة شاسعة تشتهر أكثر بسوقها الرئيسي الذي -كحال البلد- يئن لكنه يستمر بحثا عن غد أفضل.
«الملاكون من كل وادي عصا»، بحسب رئيس البلدية ريمون سمعان الذي يدير شؤون المنطقة منذ 1998. ويتحدث سمعان وهو رئيس اتحاد بلديات ساحل المتن الجنوبي ونائب رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم لـ«الانباء» عن اهتمام البلدية بـ«شؤون تتعدى صلاحياتها وتعود لوزارة الأشغال كون الطريق الذي يمر في السوق دولية.
لكننا نحرص على تسيير شؤون الناس من قاطني السوق والذين يرتادونه. نؤمن شرطة بلدية لتسهيل المرور بمعدل ثماني شرطيات وشرطيين على مدار ساعات الذروة.
ونهتم بالنظافة وصيانة الطريق والمباني. وقد قمنا بأعمال ترميم ودهان، منطلقين من تفهمنا معاناة التجار في هذه الظروف الاقتصادية الخانقة غير المسبوقة في تاريخ البلاد».
ولا يخفي سمعان خشيته من إقفال بعض المتاجر. كلام يبدو واضحا على أصحاب محال يقفون منذ ساعات الصباح أمام الواجهات الزجاجية لمحالهم منتظرين زبائن تفتقدهم محلات الألبسة والأحذية والمجوهرات.
في حين تنشط الحركة في محلات الصيرفة وتحويل الأموال وبيع الأجهزة الخليوية والمأكولات السريعة. ولا يخفى على احد من اهالي فرن الشباك ان سنة 2020 كانت، بمراكمتها الازمات، الاسوأ لناحية اقفال اكثر من 30 محلا تجاريا.
قاصد السوق لا يجد صعوبة في ركن سيارته في مواقف خاصة تتقاضى بدلا مقدور دفعه من قبل الجميع، فضلا عن الإفادة من خدمات الوقوف مقابل بدل.
وتبقى المشكلة في اختيار الوجهة الجيدة لولوج السوق، من ناحيتي الشيفروليه او العدلية. وعلى مقربة من الأخيرة، يرتفع مبنى من الباطون المسلح، يعرف بمبنى السجل العدلي الذي يقصده المئات من المواطنين يوميا، علما انه يضم في أقسامه مفارز أمنية عدة.
ويحلو لرئيس البلدية الإشارة الى وجود صالتي سينما عريقتين في المنطقة، احداهما في الشارع الرئيسي وتعرف بسينما سكالا سابقا، «وقد بيعت الى محل معروف لتجارة الألبسة.
اما الصالة الثانية فتابعة إداريا للبلدية وتقع صعودا لجهة عين الرمانة وكانت تعرف بسينما ستار».
ويتابع سمعان: «عمر السوق يعود الى 1930، لكن شكله الحالي يعود الى خمسينيات القرن الماضي، أي أننا أمام سوق عمره 70 سنة».
ويقر بأن مجمع «سيتي سنتر» الواقع بين الشياح والحازمية (عقاريا في خراج الأخيرة) أثر في حركة السوق، من دون ان ينال منها، بعد لجوء أصحاب المحال الى «التعامل الذكي مع الظروف».
سوق فرن الشباك علامة لبنانية، وهو أحد أسواق تقاوم الضائقة الاقتصادية و«عصر المجمعات التجارية الضخمة». ويعيش حاليا فترة هبوط، على أمل ان لا تتأخر فترة النهوض، شأن آمال اللبنانيين جميعهم.