لم يسبق أن استوطن لبنان هذا الكم والنوع من المآسي التي وضعت مصيره على المحك ودفعت قادة في العالم إلى توبيخ المتحكمين به من دون أي يقظة ضمير وكأن «النيرونية» لم يكفها تحطيم الوطن الجميل فتعمل على التمثيل بجثته.
وليس أدل على هذا الواقع الذي يقبض على لبنان من سلوك مسؤوليه الذين يديرون الظهر للأخطار الوجودية التي تتهدده وللكوارث التي تعصف بشعبه، إما إنكاراً واما تواطؤاً واما بفائض من الانتهازية.
إنهيار مالي، تعثر نقدي، انكماش اقتصادي، بؤس اجتماعي،عوز وبطالة وهجرة وجوع، تضاعف معدلات الجريمة، ملامح فوضى أمنية، عزلة عربية ودولية وتآكل شبكات الأمان الداخلية، وفوق كل هذا وذاك يبطش «كورونا».
ورغم قتامة هذه اللوحة السوداء ومأسويتها، تتصرف السلطة الحاكمة و«كأن شيئاً لم يكن»، فجريمة تفجير المرفأ وتدمير نصف العاصمة مازالت ضد مجهول رغم مرور خمسة أشهر على النكبة الوطنية، والحكومة التي ينبغي أن تكون أول الغيث في مسار الإنقاذ يراوح تشكيلها في مهب الريح.
ولم يكن اختيار «كورونا» أقل كارثية مع إغلاقه لبنان أربع مرات في غضون أقل من سنة من دون القدرة على تأمين البنى الاستشفائية الكفيلة بالحؤول دون موت المواطنين في منازلهم بعد ان امتلأت غرف العناية الفائقة وأسرة فيروس كورونا بالمرضى المصابين.
ولم ينج الإقفال الذي يبدأ اليوم ويستمر حتى الأول من شباط من انتقادات قاسية بسبب حجم الاستثناءات غير مبررة والتي من شأنها افقاده فعاليته وجعله غير مجدٍ في الوقت الذي يتصاعد الصراخ من جراء تعاظم الأعداد اليومية للمصابين وتعذر العثور على غرفةعناية فائقة واحدة.
وتشي المؤشرات السياسية الأولية في أجندة الـ2021، أنه «فالج لا تعالج» بعدما دشنتها مجموعة وقائع ساخنة، لعل أبرزها:
– الانقسام القديم – الجديد، الذي أخذ أبعاداً أكثر إثارة وحدّة في ضوء تصريحات قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حجي زاده التي أوحت بأن لبنان «منصة للصواريخ الإيرانية» وتعامل «حزب الله» مع الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد «فيلق القدس» في الحرس قاسم سليماني كأنها «مناسبة وطنية» عبر رفع صوره في مناطق نفوذه وعلى طريق المطار واسدال الستارة عن تمثال نصفي له في محلة الغبيري (الضاحية الجنوبية).
ولم تقتصر العاصفة المناهضة لتصريحات حجي زاده على السياسة بل رصدت مجموعة توترات، من حرق صور متبادل في مناطق عدة واشكالات بين مناصرين لـ«حزب الله» وآخرين، إضافة إلى مواقف عالية السقف على وهج الانقسام حول نفوذ إيران في لبنان وموقع الحزب.
– استمرار الصراع على أشده حول تشكيل الحكومة الجديدة بين رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، فبعد 14 اجتماع عمل بين عون والحريري على مدى نحو أربعة أشهر من العام الماضي، دشن التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل الـ2021 بهجوم على الحريري، عبر بيان أول من أمس، دعا فيه «الرئيس المكلف إلى القيام بواجباته والتوقف عن استهلاك الوقت»، وطالبه «العودة من السفر لينكب على ما هو مطلوب منه وعدم اختلاق العراقيل الداخلية لإخفاء الأسباب الحقيقية وراء تأخير تشكيل الحكومة».
وكان لافتاً الرد السريع للحريري عبر مكتبه الإعلامي وتأكيده أن «الرئيس المكلف قام بواجباته على أكمل وجه وقدم لرئيس الجمهورية تشكيله حكومية من اختصاصيين غير حزبيين وهي تنتظر انتهاء رئيس الجمهورية من دراستها»، مذكراً بأن «الجهة التي عطلت البلاد لأكثر من عامين ونصف العام (لانتخاب عون) لا يحق لها إعطاء دروس بالتوقف عن استهلاك الوقت و اختلاق العراقيل».
هذه«الهبة الساخنة»من التصعيد المبكر بعد إجازة الأعياد تسبق إطلالتين أواخر الأسبوع، واحدة للأمين العام لـ«حزب الله»السيد حسن نصرالله وأخرى لباسيل وتتناولان الملف الحكومي على وجه الخصوص.
ولم تستبعد أوساط واسعة الاطلاع في بيروت أن يكون الحريري عرضة لضغوط منسقة من تحالف فريق عون و«حزب الله»، لوضعه أمام معادلة صعبة من حدين فإما تلبية شروطهماواما الاعتذار، ما يعني وجود محاولة لـ«إحراجه وإخراجه».
ورأت أن تحالف عون -«حزب الله»، الذي بدا أكثر اطمئناناً إلى تحول الرئيس دونالد ترامب بطة عرجاء عبر انصرافه إلى معركة خروجه من البيت الأبيض، سيندفع في اتجاه محاصرة الحريري عبر ضغط مزدوج… اتهامه بالمراوغة من جهة والعمل على انتزاع أكبر قدر من المكاسب من جهة أخرى.