كما في حياته، كذلك في ذكرى اغتياله، بدا القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني الوقود الكفيل بإشعال السجالات المحلية واللعب على أوتار المخاوف من تصعيد اقليمي خطير قبل أن يعود الجميع إلى طاولة المفاوضات.
اذ في موازاة التصريحات التي يصح وصفها بالمستفزة، التي أعلن من خلالها الحرس الثوري أن لبنان وغزة هما الخطان الأماميان لمواجهة إسرائيل، اجتاحت موجة من الصور والتماثيل المخصصة لإحياء ذكرى سليماني عددا من المناطق والشوارع اللبنانية، مخلفة حالة من الاستهجان والاستنكار.
وفي السياق، أشارت مصادر سياسية سيادية عبر “المركزية” إلى أن من حق أي كان التعبير عن إرادة في تخليد ذكرى شخصية أو عسكرية، مع العلم أن سليماني لم يكن عنصرا عاديا في المشهد الاقليمي. لقد كان الرجل الرقم الايراني الصعب في الشرق الأوسط، والقادر بإشارة كلامية منه على قلب المعادلات والمشاهد السياسية في لحظات. نظرة يلتقي عليها حزب الله وأنصاره مع الجمهورية الاسلامية الايرانية.
غير أن المشكلة، بحسب المصادر، أن ممارسات من هذا النوع وفي هذا التوقيت الاقليمي الحساس، يمكن أن تفسر على أنها محاولة متجددة لجر لبنان إلى محور اقليمي من شأنه أن يزج بلبنان في أتون معارك لا شأن له بها. وتنبه المصادر إلى أن الأدهى أن طريق مطار رفيق الحريري الدولي، المفترض أنه البوابة الأولى والأهم للبنان من وإلى العالم، مدججة بصور سليماني، الشخصية التي تستفز كثيرا من سياح الغرب ودنيا العرب الذين يأتون إلى لبنان للاستمتاع. على أن الأدهى أن شوارع مدينة طهران، خالية من أي صور أو تماثيل له… لذلك، تسأل المصادر، أي رسالة هي تلك التي يوجهها لبنان في زمن الصراعات الاقليمية الدائرة على أشدها، بينما من المفترض أن يكون الجميع قد أيقنوا أن لا حل من دون تكريس حياد لبنان نهائيا عن المعارك الاقليمية.
ولكن، في المقابل، تعترف المصادر أن ظاهرة تعليق الصور وإطلاق أسماء الشخصيات السياسية ليست بالأمر الجديد وقد رافقت مرحلتي الانتداب الفرنسي والوصاية السورية. لكنها اليوم تدل إلى نفوذ سياسي واقليمي معين من المفترض أن يتحد اللبنانيون في مواجهته، على أن ينطلق ذلك من موقف رسمي يضع حدا لهذه الممارسات، او على الاقل حصرها بالقادة اللبنانيين فقط لا غير، وهنا الدور الاساس لوزارة الداخلية والبلديات في الحد من هذه الظاهرة المنذرة بفتنة، لبنان في غنى عنها في هذا الظرف البالغ الخطورة.