كتب نذير رضا في صحيفة الشرق الأوسط:
حذّر عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» (الحزب الاشتراكي) النائب بلال عبد الله من المضي بمشروع العفو الخاص لتخفيف الاكتظاظ في السجون كبديل عن قانون العفو العام الذي أُجهض إقراره في البرلمان خلال الأشهر الماضية، منبهاً من تحضيرات في الكواليس لتفعيل مشروع مشابه يتسم بالانتقائية ويتشابه مع ملف مرسوم التجنيس الذي وقعه الرئيس اللبناني ميشال عون في العام 2017.
ووضعت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم في الأشهر الماضية مشروع قانون للعفو الخاص، يعتمد معايير واضحة تتصدرها الأولويات الصحية للإفراج عن بعض السجناء بموجب لوائح اسمية، في خطوة لتخفيف الاكتظاظ في السجون اللبنانية.
واستكملت الوزارة الملفات ونفذت جزءاً من الإجراءات تمهيداً لإحالتها إلى لجنة العفو الخاص، وبعدها إلى النيابة العامة التمييزية، وينتهي القانون بتوقيع رئيس الجمهورية عليه ليصبح نافذاً.
لكن الخطوة اصطدمت باندفاع القوى السياسية اللبنانية نحو العفو العام وهو اقتراح تمت مناقشته في البرلمان، ولم يُقر بسبب اعتراضات عليه أبرزها اعتراض «تكتل لبنان القوي» (كتلة التيار الوطني الحر النيابية) واعتراض تكتل «الجمهورية القوية» (كتلة حزب القوات اللبنانية)، فجرى ترحيله إلى اللجان البرلمانية للاستفاضة بدراسته وإحالته لاحقاً إلى الهيئة العامة في مجلس النواب لإقراره.
وقال النائب بلال عبد الله لـ«الشرق الأوسط» إن هناك إشارات على تحضيرات في الكواليس للمضي في العفو الخاص، بعد إجهاض العفو العام، لكنه نفى أن تكون هناك وقائع حاسمة في هذا الملف، قائلاً: «إنني أحذر من هذا الاتجاه بعد أن تلقيت إشارات»، مشيراً إلى أنه لم يتقدم بأخبار رسمية «لأنها لا تزال إشارات تلقيتها، وهي محاولات متكررة وليست الأولى في هذا الاتجاه».
وقال عبد الله إن المضي بالعفو العام «بات ضرورة ملحة، أسوة بكل الدول التي قامت بإجراءات مثل تسريع المحاكمات أو تخفيض المحكوميات بسبب المخاطر المترتبة على تسلل جائحة (كورونا) إلى السجون»، وقال إن «التحضير في الكواليس للعفو الخاص، يمثل التفافاً على محاولات مجلس النواب لإقرار عفو عام وتخفيف الاكتظاظ بالسجون»، لافتاً إلى أن العفو العام «اصطدم بموانع سياسية وطائفية، لكننا سنكمل بمساعينا لإقراره».
وكان عبد الله قال في تغريدة: «بين مشروع قانون العفو العام الذي يتعثر لألف سبب وتبرير غير مقنع، والذي يجب على مجلس النواب إقراره لتخفيف الاكتظاظ في السجون، وبين مشروع قانون العفو الخاص الذي يطبخ في الغرف المغلقة وبصورة استنسابية، على خطى مرسوم التجنيس الفضيحة المشهور، مسافة شاسعة بين الوطنية والزبائنية!».
وينص اقتراح قانون العفو العام على الإفراج عن عدد كبير من السجناء، بعضهم أنهى محكوميته ولا يزال في السجن، وترتبط ملفات معظمهم بإطلاق النار وتعاطي المخدرات وترويجها، إضافة إلى سجناء موقوفين بتهم متصلة بالتشدد، وهو معروفون باسم «السجناء الإسلاميين»، فضلاً عن الفارين إلى إسرائيل إثر تحرير جنوب لبنان في العام 2000.
وعلى ضوء الخلافات السياسية التي حالت دون إقرار العفو العام، اقترحت وزيرة العدل عفواً خاصاً ومحدوداً لتخفيف الاكتظاظ بالسجون، وكانت اللوائح الأولية ضمت ما يقارب 300 سجين جرى إعداد أسمائهم عبر لجنة مختصة بالعفو الخاص.
وقال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إن طرح العفو الخاص كان مرتبطاً بالظروف التي عمت البلاد، لا سيما المخاوف من انتشار «كورونا» في السجون المكتظة، لافتاً إلى أن الموضوع أُهمل في ذلك الوقت بسبب اتجاه القوى السياسية نحو مناقشة العفو العام، وإعطائه الأولية، مشيراً إلى أن وزيرة العدل «قبل الجلسة البرلمانية الماضية، كانت قد حضرت الملفات، لكن القوى السياسية أعطت أولوية للعفو العام».
ولفت المصدر إلى أن بعض القوى السياسية «حاولت تقديم اقتراحات أخرى، مثل تخفيض العقوبة، والعفو عن الأشخاص الذين قضوا فترة زمنية من محكوميتهم، وهو يشبه العفو الخاص، لكنه سقط في النقاشات أيضاً».
ودفعت بعض القوى السياسية باتجاه «إصدار مرسوم العفو الخاص الذي يشمل عددا كبيرا من السجناء من كبار السن والذين يعانون أمراضا مزمنة ومستعصية، وممن تبقى لديهم مدة معينة من المحكومية، ومن الذين أمضوا محكوميتهم ولا قدرة لهم على دفع الغرامات المالية»، قبل أن يسقط الاقتراح.
ويختلف العفو العام عن العفو الخاص من الناحية القانونية، إذ يشمل العفو العام عدداً كبيراً من السجناء بحسب التهم المنسوبة لهم في ملفاتهم القضائية، بينما يكون العفو الخاص محدوداً من الناحية العددية، وقد يصل إلى بضع مئات فقط، ويفرض القانون وجود لوائح اسمية ويصدر العفو بمراسيم اسمية خلافاً للعفو العام الذي يعفي كل المحكومين بالتهم المدرجة.
وينفي المصدر القضائي المخاوف من «انتقائية» في العفو الخاص، قائلاً إن المعايير التي وضعتها الوزيرة في اقتراحها كانت موضوعية وواضحة جداً، وجرى نقاش حول ما إذا كان يشمل الباقي من محكوميتهم 3 أشهر أو 6 أشهر أو ثمانية أشهر، كما جرى نقاش حول من يطالهم العفو ما إذا كانوا قد قضوا 80 في المائة من محكومياتهم، علما بأن الأولوية كانت للمرضى منهم والذين يعانون من أمراض مزمنة بسبب تهديدات «كورونا».
ولم ينفِ المصدر أن تكون الخلافات السياسية والحسابات الطائفية أدت إلى ذلك النقاش في ذلك الوقت.