كتبت رلى إبراهيم في جريدة الأخبار:
منتصف 2018، أقفل مطمر برج حمود. كان مفترضاً حينها أن يتوقف نقل نفايات العاصمة إليه، وهو ما حدث فعلاً… لكن، على الورق، استمرت «النفايات الوهمية» بالوصول الى المطمر، واستمرت بلدية برج حمود بتقاضي بدل مالي لقاء الإشراف على نقل نفايات لم تكن تصل أبداً على مدى نحو عامين. الأدهى أن العقد من أساسه لزوم ما لا يلزم لأن هناك استشارياً مكلفاً بالمهمة نفسها ويتقاضى بدلاً لذلك من مجلس الإنماء والإعمار
التحقيقات في اتهامات التزوير وهدر الأموال في بلدية بيروت المرتبطة بملف النفايات وصلت إلى خواتيم قضائية «شبه سعيدة»، بعد ادعاء المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي زاهر حمادة أمام قاضي التحقيق في بيروت على سبعة موظفين في البلدية (من بينهم مدير مصلحة النظافة العامة السابق بالتكليف ر. ح.)، كانوا مطّلعين على تزوير محاضر تسلّم جداول «شاحنات وهمية» تنقل نفايات «وهمية» من العاصمة الى مطمر برج حمود، علماً بأن التحقيق مع رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني أظهر أنه لم يكن على اطلاع على محاضر التسلّم ولا على المبالغ التي صُرفت لبلدية برج حمود بسبب الوضع الاستثنائي لبلدية العاصمة المقسّمة بين سلطة تقريرية يمثلها عيتاني وسلطة تنفيذية للتوقيع يمثلها المحافظ.
كذلك ادعى حمادة على رئيس بلدية برج حمود مرديك بوغوصيان وموظفين في مجلسه البلدي، علماً بأن حمادة كان قد طلب من محافظ جبل لبنان محمد مكاوي الإذن بملاحقة بوغوصيان، لكن الإذن لم يأت بعد. وعلمت «الأخبار» أن قائمقام المتن الشمالي مرلين حداد تحقّق معه ومع موظفيه، على أن ترسل الملف الى مكاوي ليتخذ قراراً بإعطاء الإذن أو حجبه. وفي حال رفض منح الإذن، يمكن اللجوء الى المدعي العام التمييزي للقيام بالمهمة.
وأرسل حمادة نسخة من تحقيقاته الى النائب العام التمييزي غسان عويدات مذيّلة بطلب الادعاء على محافظ بيروت السابق زياد شبيب إذا ارتأى ذلك. إذ إن عويدات هو الوحيد الذي يدخل ضمن صلاحياته الادعاء جزائياً على قاض في حال ثبوت أيّ شبهة عليه. وأرسل حمادة نسخة أخرى الى النائب العام المالي علي إبراهيم الذي يحقق في إخبار في الملف نفسه قدّمه المحامون: واصف الحركة وعلي عباس وهاني الأحمدية وحسن بزّي في 9 أيلول الماضي.
وتعود فضيحة التزوير وهدر المال العام الى 31/5/2017، عندما أصدر مجلس بلدية بيروت القرار الرقم 480 بالموافقة على تعديل القرار الرقم 291 (7/4/2017) القاضي بالموافقة على مشروع عقد اتفاق بالتراضي مع بلدية برج حمود للإشراف على نقل 200 طن يومياً من نفايات العاصمة الى مكب برج حمود، بإضافة العبارة الآتية: «لقاء مبلغ إجمالي قدره 6 ملايين دولار أو ما يعادله بالليرة اللبنانية». وكلّفت بلدية برج حمود، وفق نصّ العقد، «الإشراف على عملية إيصال النفايات من قبل بلدية بيروت الى مكب النفايات، عبر التأكد من العملية المذكورة منذ لحظة دخول الشاحنات المحملة بالنفايات الى نطاق بلدية برج حمود ولغاية وضع النفايات في المكان المحدد ضمن مدة أربع سنوات».
وما يزيد الشكّ يقيناً أن العقد الذي وقّعه شبيب وبوغوصيان عبارة عن «تنفيعة» مقوننة بقرار رسمي صادر عن البلدية، هو أن هناك استشارياً (رفيق خوري وشركاه) مكلّفاً من مجلس الإنماء والإعمار القيام بهذه المهمة. إذ إن المجلس هو الجهة المسؤولة عن عقود النفايات مع مطمري برج حمود والجديدة. وبالتالي، فإن الاتفاق مع بلدية برج حمود، أو بالأحرى مع رئيسها، لزوم ما لا يلزم. أضف الى ذلك أن العقد تضمّن بنداً جاء فيه أن «كل قرار يرمي الى وقف العمل في مكبّ النفايات، إن كان قضائياً أو إدارياً، يؤدي حكماً الى وقف العمل بهذا العقد». لذلك، كان يفترض انتهاء العقد لدى إقفال مطمر برج حمود منتصف نيسان 2018، ووقف المبالغ التي تدفعها بلدية بيروت لبلدية برج حمود. إلا أن بلدية العاصمة، بسبب تواطؤ موظفين في اللجان المكلفة بتسلّم محاضر جداول الشاحنات الناقلة للنفايات وبتصديق من شبيب، واصلت الدفع استناداً الى محاضر تسلّم وهمية كان رئيس بلدية برج حمود يرسلها، وتتضمن قائمة بصافي الأوزان اليومية للنفايات المنقولة من بيروت إلى نطاق المكبّ. استمرّت الدفعات حتى 4/5/2020، قبيل أيام من انتهاء ولاية شبيب.
مع تسلّم المحافظ مروان عبود مهماته، طلب في 1 أيلول 2020 من مجلس الإنماء والإعمار تزويده بمعلومات تتعلق بمكبّ برج حمود، «وما إذا كان لا يزال يستقبل نفايات بيروت». وفي حال النفي إبلاغه بتاريخ إقفال المطمر. كما سأل عما إذا كان «الإنماء والإعمار» يقوم، مباشرة أو عبر شركات استشارية، بالإشراف على إيصال نفايات بيروت الى مكب برج حمود. «وفي حال الإيجاب، بيان أسماء هذه الشركات والتكلفة المدفوعة ونسخ عن عقودها».
بعد ثلاثة أيام، ردّ مجلس الإنماء والإعمار بالتأكيد أن «المباشرة بأعمال الطمر ضمن خلايا الطمر الصحي الواقعة مقابل برج حمود بتاريخ 8/06/2016 استمرت حتى 11/4/2018. لاحقاً، تم نقل النفايات التي جرى تجميعها سابقاً على العقار الرقم 1343 من منطقة المدوّر العقارية خلال فترة إقفال المطمر من قبل معتصمين، وطمرت خلال الفترة بين 23/5 و5/8/2018، كما تم نقل النفايات التي تم تجميعها سابقاً خلال فترة ما بين 15/10/2018 و28/2/2019». في الشقّ الثاني، ردّ المجلس بأن الاستشاري «رفيق خوري وشركاه» هو «الجهة المكلفة الإشراف على تنفيذ هذا المشروع بنتيجة مناقصة لقاء بدلات أتعاب بنسبة 0.4025% من قيمة الأشغال المنفذة، كما تم تكليف مكتب المراقبة Apave بمهمات المراقبة والتدقيق الفني على أشغال هذا المشروع لقاء أتعاب بنسبة 0.18% من قيمة الأشغال المنفذة»، ما يثبت أن ثمة من كان يتقاضى أتعاباً مقابل هذه الأعمال. رغم ذلك، ارتأى شبيب قوننة «تنفيعة» بلدية برج حمود عبر تكليفها بمهمة مدفوع ثمنها سلفاً.
أما اليوم، ومع إقفال المطمر، تذهب نفايات بيروت تلقائياً الى مطمر منطقة الجديدة من دون أي «خوّة»، وبموجب قرار مجلس الوزراء الصادر عام 2016.