كتبت سناء الجاك في صحيفة نداء الوطن:
عجبي من جهابذة الممانعة الذين رفعوا رايات التبشير بانهيار الولايات المتّحدة الأميركية، بعدما قدّم دونالد ترامب نموذجاً صغيراً لما يرتكبون، ومنذ عقود.
فهم تسرّعوا وفتحوا دار العزاء، بالرغم من علمهم المسبق أنّ الخاسر نعيم البيت الأبيض لا يزال جلبوطاً هاوياً متعثّراً في المكابرة والشوفينية، قياساً بما قدّمه ويقدّمه كواسر المنظومة من المستندين الى جدار الممانعة الأصمّ والأشمّ.
والعنصرية التي أتحفنا بها ترامب منذ بداية ولايته تبقى نقطة في بحر من تغنّى بالجينات اللبنانية المتفوّقة، واستكثر الهواء على “الأجنبي” اللاجئ الى ربوعنا.
وسيبقى تلميذاً غير نجيب في بثّ خطاب الكراهية والترويج له، ورفض الآخر والمناداة بالتقسيم تحت شعار الفيدرالية حيناً، وفوق السطح وبصريح العبارة وبالقلم العريض في أحيانٍ كثيرة.
وهو قمّة في التهذيب والرصافة ورجاحة العقل عندما نضع تصريحاته في كفّة، ودرر العالمين الممتازين في شؤون السيادة وارتباطها بصواريخ سليماني في كفّة أخرى.
فعلاً، يحتاج هذا “الأحمق الفاشل” الكثير من الدروس ليلعبها “صح” حتى يستطيع أن يستثمر في التجييش. عليه أولاً إفقار شعبه وإغراقه في واقع معيشي مأزوم، جرّاء موت الإقتصاد واستفحال البطالة والقضاء على سعر صرف الدولار..
كان عليه وقبل إرساله غوغائييه “الأوريجينال” ليقتحموا المقار الرسمية، إلحاقهم بدورة تثقيفية تخصّصية في خندق ما، ليأخذوا دروساً تطبيقية بفنون التكسير والتخريب والإغارة على ثوّار الرينغ… والّا لا حفلات تخريج ولا شهادات تقدير.
وكذلك هو يحتاج الى دروس في الكوريغرافيا. فرقصه عشية الإنتخابات لم يؤت جدواه. ولا يقارن ببراعة الراقصين عندنا، الذين يعرفون كيف يجعلون “خبطة قدمهم عالأرض هدّارة”، وكيف يتنقّلون بهلوانياً على حبال الفساد والإستزلام.. و”عدس بترابه.. وكلّ شيء بحسابه”.
فالمهزوم ترامب قضى على مستقبله السياسي، ليس لأنه فاسدٌ ومستغلٌ للسلطة، ولكن لأنّه لم يصدّق أنّ قاعدة مِحور الممانعة والمرتزقة الملحقين بها يتفوّقون بجيناتهم على غيرهم من الشعوب، لذا، يمكنهم أن يقوموا بما حاول القيام به، ومن دون مساءلة وعقاب. ولو صدّق لما كان قد انحدر إلى الدرك الأسفل..
وهكذا، بعدما أكل الضرب وعطب حزبه العريق، سمح للديكتاتوريات العريقة والمجرمة بانتقاد “الديموقراطية الغربية” وتعييرها بمدى فشلها، وضَرَبَ هيبة الولايات المتّحدة الضعيفة والمفتقرة إلى الأسس القوية.
فالدعسة الناقصة للمهزوم شكّلت فرصة ذهبية للشماتة، برهنت أن الترامبيين الممانعين عندنا لا تزال سوقهم رائجة، بالرغم من إنتهاك سيادتهم بضرب أكثر من مفاعل نووي في عمق أراضيهم واغتيال علمائهم وقادتهم، وانتهاك أجواء العواصم التي يسيطرون عليها لقصف مراكزهم وقوافل أسلحتهم.. على أن يردّوا في المكان والزمان المناسبين.
ولِمَ لا؟ فقوة هؤلاء الترامبيين الممانعين تكمن في أنّهم فوق القانون والمحاسبة، يفسدون في الأرض وسع إيمانهم بأنّهم راسخون في ديكتاتورياتهم و”يا جبل ما يهزّك ريح”. وبالطبع، هم يمسكون ببلاد لا تحكمها ديموقراطية هشّة تفرز إنتخاباتها ممثلين عن الشعب ورؤساء، يمكن محاكمتهم وإدانتهم وسجنهم إذا ما ارتكبوا مخالفات، تبدأ من إستغلال السلطة ببطاقة مترو، ولا تنتهي بتحريض مريديهم على اقتحام المقار الرسمية من دون إجراء دورات تثقيفية تخصّصية في “الخندق”.