كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
قد يشعر الراغب في التسوق حديثاً في إحدى الأسواق اللبنانية لوهلة، أنه في بلد غير لبنان. فالبضائع العالمية التي اعتادها المستهلك غاب معظمها عن الرفوف، وإن وجدت كانت أسعارها 4 أضعاف أو أكثر مما كانت عليه قبل ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير منذ أشهر. وقد حلت مكانها بدائل أقل كلفة على المستهلك «وإن كانت أقل جودة، يتم استيراد القسم الأكبر منها من تركيا ومصر وسوريا»، وفق المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر.
وتقول غادة يونس (34 عاماً) إن حياتها وحياة عائلتها انقلبت رأساً على عقب منذ نحو عام تقريباً. فنمط العيش الذي اعتادوه لعشرات السنوات لم يعد هو نفسه، مشيرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مواد طالما اعتبرتها أساسية باتت مفقودة، كالقهوة التي تحتسيها عادة، والأطعمة التي اعتادها أولادها. وتضيف: «صحيح أن هناك كثيراً من البدائل على الرفوف؛ لكنها جميعها لا ترتقي لنوعية المواد التي كنا نستهلكها. أعلم أننا سنكون مضطرين لنعتاد على الأنواع الجديدة؛ لكن ذلك لن يكون أمراً سهلاً، وسنعاني كثيراً مع الأولاد».
وانسحب عدد كبير من الشركات العالمية من السوق اللبنانية تباعاً خلال الأشهر الماضية، بعد تراجع حجم مبيعاتها بشكل دراماتيكي، نتيجة اضطرارها لرفع أسعار السلع تماشياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، وبسبب تراجع وانعدام القدرة الشرائية لكثير من اللبنانيين الذين انحدر نحو 60 في المائة منهم تحت خط الفقر.
ويستورد لبنان أكثر من 80 في المائة من المواد الغذائية التي يتم استهلاكها، بحسب مدير عام وزارة الاقتصاد، ما يعني أن هذه المواد تأثرت بسعر الصرف، وارتفعت أسعارها بشكل كبير.
وتخطى سعر صرف الدولار الواحد في الأيام الماضية في الأسواق عتبة 8500 ألف ليرة لبنانية، علماً بأن سعر الصرف الرسمي لا يزال ثابتاً عند حدود 1500 ليرة.
ويشير محمد أبو حيدر إلى أنه تم تلقائياً استيراد مواد جديدة بديلة عن تلك العالمية التي اعتادها اللبنانيون، معتبراً أن القسم الأكبر من المستهلكين لم يعد يبحث عن النوعية الممتازة إنما عن البضائع الأقل كلفة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد مجدياً للمستوردين الإتيان بالبضاعة العالمية التي لم يعد قادراً على استهلاكها إلا ما بين 5 و10 في المائة من اللبنانيين، لذلك نراهم يستوردون أنواعاً جديدة من دول مجاورة؛ حيث سعر صرف الدولار هناك ليس بعيداً بكثير عما هو في لبنان، وحيث البضاعة قريبة نوعاً ما من تلك التي اعتادها المستهلك اللبناني». وتنحصر المواد الغذائية ذات الأصناف العالمية التي لا تزال موجودة بشح في بعض الأسواق، في تلك التي تدعمها وزارة الاقتصاد، أي يتم تأمين الدولارات لاستيرادها على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد.
ويعتبر نقيب أصحاب المحلات الكبرى نبيل فهد، أن على اللبنانيين التأقلم مع نمط عيش جديد، فكثير من الأصناف بدأت تختفي تباعاً وتحل مكانها منتجات وطنية وأخرى مستوردة من دول كتركيا ومصر، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الصناعات الوطنية تمكنت في وقت قصير من التخفيف من حدة الأزمة، واستمراريتها مرهونة بمواصلة الدولة دعم المواد الأولية المستوردة التي تستخدمها».
ويخشى لوسيان الحلو (28 عاماً) من أن تكون البدائل الغذائية التي تغزو الرفوف مضرة صحياً، أو لا تخضع لرقابة وزارة الاقتصاد، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الكميات الكبيرة للأصناف الجديدة والتي تزداد أسبوعياً تجعلنا نطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كانت حقيقةً تستوفي الشروط الصحية المتعارف عليها دوليا؛ خصوصاً أنه لا يمكن لنا كمستهلكين أن نحسم ذلك من شكلها ومذاقها اللذين لا يشبهان في شيء الأصناف العالمية التي اعتدناها».
ويطمئن محمد أبو حيدر بأن كل البضائع التي تدخل لبنان من الخارج عبر المعابر الرسمية تخضع لرقابة وزارة الاقتصاد، بحيث يتم أخذ عينات منها للتأكد من كونها مطابقة للمواصفات، قبل السماح بتوزيعها على الأسواق: «لكن المشكلة التي نواجهها ونحاول معالجتها هي في البضائع ذات الصناعة المحلية التي تطرح مباشرة في السوق، وقد طلبنا من أصحاب المحلات الكبرى إعداد لوائح بها لإخضاعها للرقابة قبل السماح ببيعها». ويشير أبو حيدر إلى أنه «خلال أشهر معدودة تم طرح أكثر من 25 نوع زيت جديد في الأسواق، علماً بأنه خلال عام 2020 سجلنا ولأول مرة علامات تجارية لشركات محلية أكثر بكثير من شركات أجنبية»، موضحاً أن «العدد الأكبر منها مرتبط بقطاع التعقيم والتنظيف».