تقرير IMLebanon:
عندما وقف السوريون في طوابير أمام محطات المحروقات، فُقد المازوت والبنزين من الأسواق في لبنان، ووقف اللبنانيون في طوابير أمام المحطات الفارغة.
عندما توقفت المصارف عن إتاحة الدولار عبر الصرافات الآلية ووضعت سقوفا للسحوبات، تراجعت قيمة الليرة السورية بشكل كبير.
فهل من باب المصادفة أيضا أنه حين تُقفل مصانع الأدوية في سوريا الواحدة تلو الأخرى، يتزامن معها فقدان الأدوية في لبنان؟!
فإلى أدوية الأمراض المزمنة التي عانت السوق اللبنانية من فقدانها منذ أشهر، يعاني اللبناني اليوم من فقدان أدوية اساسية يستعملها يوميا كالباراسيتامول والمضادات الحيوية وغيرها.
وكأن لا يكفي اللبناني معاناته من الأزمة المالية والاقتصادية والنقدية، لتضاف اليوم المعاناة الصحية.
هكذا تُهرّب الأدوية من وإلى سوريا، على عينك يا تاجر وبالأرقام. فبحسب أرقام مصرف لبنان نسبة عملية دعم الأدوية أو «دعم شركات الأدوية» منذ بداية العام 2020 وحتى شهر أيلول 2020 بلغت 775 مليون دولار أميركي فيما صرف لبنان وخلال كل العام 2019 على استيراد الادوية مبلغ 775 مليون دولار، ما يعني أن إجمالي قيمة استيراد الأدوية للعام 2020 ستبلغ حدود 1.2 مليار دولار أي بزيادة حوالى 400 مليون دولار صُرفت من أموال اللبنانيين وودائعهم، وبقرار من حكومة الرئيس حسان دياب تحت شعار الحفاظ على الأمن الاجتماعي، ومن دون معرفة كيف استعملت هذه الأدوية وإلى أين ذهبت.
لا بل أكثر من ذلك، فبالرغم من ارتفاع حجم الاستيراد 50%، الكثير من الأدوية لا يزال مفقوداً من الصيدليات وعدد من هذه الأدوية أساسي لمعالجة الأمراض المزمنة.
فبحسب رئيس مستشفى الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض، تضاعف عدد مرضى القلب الذين تم إدخالهم إلى المستشفى مؤخرا والسبب عدم توفر الدواء، هذا بالإضافة ألى نشوء سوق سوداء للدواء.
إذا كنت تريد أن تعرف ماذا يجري في لبنان، التفت إلى ما يجري في سوريا. فأزمة الدواء المتفاقمة في الأشهر الأخيرة في لبنان تزامنت مع تراجع الإنتاج السوري، كما ترافق الفقدان التام للأدوية الأساسية المدعومة من صيدليات لبنان مع توقف العديد من مصانع الأدوية في سوريا.
فكأنه لا يكفي المواطن اللبناني ان يدفع من اموله وجنى عمره لتعويم النظام السوري، ليدفع اليوم من صحته ويموت لتحيا سوريا.
النائب في مجلس الشعب السوري وضاح مراد حذر وتحديدا في 3 كانون الثاني 2021 من إغلاق معامل الأدوية بعد انتهاء موادها الأولية، خلال فترة أسبوع.
فمصانع الأدوية السورية تعاني من فرض النظام تسعير الأدوية على سعر صرف الدولار بأربعمائة ليرة، فيما تشتري المصانع الدولار من السوق السوداء باكثر من ألف وسبعمائة ليرة.
وبحسب الأرقام الرسمية، صناعة الأدوية السورية تضررت في الحرب وخرج أكثر من 19 معملاً من الخدمة، وتراجع الإنتاج بنسبة 75%، مع توقف عشرات المعامل وما استمر منها عمل بربع طاقته الإنتاجية، وما زال السوريون يعانون حتى اليوم من نقص حاد تتجاوز نسبته 70% من حاجة السوق من الأدوية والمنتجات الصيدلانية، إضافةً إلى مشكلة تدني فعالية الدواء السوري.
في المقابل، البعض اتهم اللبنانيين بالتخزين في المنازل، بعد تداول أخبار عن توجه البنك المركزي لرفع الدعم عن الأدوية وخوفا من ارتفاع الاسعار، ولكن كيف يمكن لشعب فقد 80% من قدرته الشرائية واكثر من نصفه فقير ان يدفع مئات الملايين من الدولارات لتخزين ادوية تنتهي صلاحياتها بعد اشهر؟ وهل فعلا التخزين يرفع الاستهلاك بحوالى 50%؟
وزير الصحة في حكومة تصرف الاعمال حمد حسن في تشرين الاول 2020 وخلال جولة على صيدليات ومستودعات للأدوية في البقاع الأوسط، وضبط عددا منها، صرح ان الدواء يهرّب إلى سوريا والعراق، وتمّ اتخاذ قرار بإقفال بعض المستودعات بالشمع الأحمر بناء على إشارة النائب العام الاستئنافي في البقاع منيف بركات.
والى حمد نضيف تصريحات وغضب رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي الذي قالها بالفم الملآن: ازمة الادوية في لبنان بدأت قبل جائحة كورونا، حيث علت صرخة الأطباء بعدما اختفت أدوية يتناولها مرضى القلب والقصور الكلوي ومرضى الأعصاب، وبعضها لا بديل عنه اليوم، على سبيل المثالLasix وCordarone . وفي كل يوم ثمة دواء يختفي ومعدات طبية تختفي وأخبار تحيل إلى خلاصة واحدة وهي أن الدواء يهرّب إلى ليبيا والعراق وسوريا.
فمن يهرب وكيف؟ وما هي اقصر الطرق الى سوريا اولا ثم العراق ولبييا؟
هكذا يبرز التهريب، وهو ليس خفيا على احد، وخصوصاً عبر الحدود إلى سوريا المشرعة والعصية عن اي مراقبة او اقفال. ومن وزير الدفاع السابق الياس ابو صعب الى وزير المالية السابق علي حسن خليل رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي وغيرهم من السؤولين، الجميع يتحدث عن التهريب وعن المعابر غير الشرعية بالارقام، ولا من يتحرك، فمن يحمي الحدود؟ ولماذا لا تقفل المعابر المعروفة بالمكان والاسم؟
400 مليون دولار اضافية صرفت خلال العام 2020 من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الاجنبية اي من آموال المودعين اللبنانيين في المركزي على أدوية يتم تهريبها الى سوريا.
وفيما يواجه اللبناني ضياع مدخراته وجنى عمره ولا يستطيع الحصول على حقه وامواله بسبب الازمة المالية التي انتجتها سلطة فاسدة تعاقبت على الحكم خلال السنوات الثلاثين الماضية، تضمن بعض الاطراف الداخلية المحمية والمهربون المدعومون سياسيا، استقرار القطاعات السورية على حساب القطاعات اللبنانية.
إذاَ مصانع الادوية في سوريا تقفل والصيدليات في لبنان تفرغ من الادوية، ليواجه اللبناني مرة جديدة مصيرا لم يختره، ويدفع من جيبه وصحته لأن البعض من اللبنانيين قرروا أن الخارج أهم من الداخل تحت راية السلاح والمذهبية!