كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
لن يحمل هذا الأسبوع بوادر انفراجة في لبنان يمكن التعويل عليها لإعادة التواصل بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري الذي انقطع بينهما قبيل حلول عطلة الأعياد رغم المحاولات التي يقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي في حثهما على عقد لقاءات وجدانية لعلها تدفع باتجاه تزخيم مشاورات التأليف التي اصطدمت بتبادل الشروط حول التشكيلة الوزارية، فيما يعتبر الحريري بحسب أوساط أنه قام بكل ما يتوجب عليه وبات ينتظر رد فعل عون على الصيغة الوزارية التي تقدّم بها ولم يحصل على جواب منه كما وعده في الجولة قبل الأخيرة من مشاورات التأليف.
فالبطريرك الراعي لم يحمل معه مبادرة في تنقلاته ما بين عون والحريري بمقدار ما أنه سعى لإنقاذ مشاورات التأليف بعد أن اصطدمت بحائط مسدود يكاد ينسف اتفاقهما على أن تتشكّل الحكومة من 18 وزيراً، وهذا ما أوحى به النائب طلال أرسلان الذي أبلغ رئيس المجلس النيابي نبيه بري عندما التقاه أخيراً بأن عون باقٍ على موقفه بأن تتشكّل الحكومة من 20 وزيراً.
ومع أن الراعي لم يطرح على الحريري استضافته وعون في بكركي سعياً وراء إفساح المجال أمامهما للتلاقي على قواسم مشتركة يمكن أن تؤدي إلى معاودة التواصل لتسريع التفاهم بإزالة العقبات التي ما زالت تؤخر ولادتها، فإن الفريق الاستشاري المحسوب على الرئاسة الأولى أخفق في مناورته في رمي المسؤولية على الرئيس المكلف بذريعة أنه لم يستجب لرغبة الراعي، وهذا ما توضّح في التواصل القائم بينهما عبر الوزيرين السابقين سجعان قزي وغطاس خوري.
كما أن الحديث عن استعداد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لمعاودة التواصل بين عون والحريري لا يعكس واقع الحال المأزوم بين بعبدا و«بيت الوسط» في ظل انعدام الاتصالات التي تتجاوزهما إلى المكوّنات السياسية الرئيسية المعنية بتأليف الحكومة، وبالتالي من السابق لأوانه الحديث عن وساطة في ظل استمرار الأبواب مؤصدة على أكثر من صعيد.
ناهيك أن ما يتردّد حول استعداد الرئيس بري للتدخل لرأب الصدع الذي بلغ ذروته بين عون والحريري ليس مطروحاً حتى هذه اللحظة وأن المسؤولية لا تقع على عاتق رئيس المجلس الذي يتلاقى مع الراعي على حصر البحث في تشكيل الوزارة بالمؤسسات الدستورية، بمقدار ما أن المشكلة تكمن في أن لدى عون وفريقه الاستشاري تحسسا منه بذريعة أنه أقرب إلى وجهة نظر الحريري، إضافة إلى عدم موافقة حليفه «حزب الله» بالضغط على عون مع أن مصادر مقرّبة من الثنائي الشيعي تغمز من قناة أحد المقربين من الرئاسة الأولى وتتهمه بأنه يأخذها من مطب لآخر.
وفي هذا السياق، بات يتعذّر على بري التدخّل للعودة بمشاورات التأليف إلى صوابيتها ما دام أن الفريق الاستشاري لعون لن يكف عن استدراجه العروض لإقحامه في اشتباك سياسي مع رئيس المجلس، وهذا ما برز جلياً في انتزاعه صلاحية تفسير الدستور من البرلمان لمصلحة المجلس الدستوري الذي يقتصر دوره على مراقبة دستورية القوانين، إضافة إلى وقوفه وراء الالتفاف على الدور الذي لعبه في تهيئة الأجواء لبدء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
كما أن الفريق الاستشاري إياه لم يكن مرتاحاً لموقف الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله حيال الصعوبات التي تعترض تشكيل الحكومة على خلفية قوله إنه لا يجوز تحميل المسؤولية لطرف واحد في ظل انعدام الثقة بين معظم الأطراف، وكان يتوخى منه أن يحصر مسؤولية التأخير بالحريري، إضافة إلى عدم ارتياحه لموقفه من التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت بذريعة أن المحقق القاضي فادي صوّان خضع للاستنسابية والانتقائية في ادعائه على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين وأيضاً لمطالبته بوحدة المعايير في مكافحة الفساد.
فنصر الله كان من وجهة نظر معارضيه في موقع الدفاع عن الحزب في اتهامه بتعطيل تشكيل الحكومة وربط تأليفها بموافقة إيران، نافياً أي تلازم بينها وبين المفاوضات المرتقبة بين طهران وواشنطن مع انتقال السلطة في الولايات المتحدة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن، وداعياً إلى تأليفها بالأمس قبل اليوم.
لكن من يعارض نصر الله لم يقتنع بوجهة نظره ويصر على الدفاع عن موقفه انطلاقاً من اعتراض طهران على المبادرة الإنقاذية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبلسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي سأل أثناء وجوده في موسكو ماذا يفعل ماكرون في لبنان؟
ويسأل الفريق المعارض لنصر الله، هل كان مضطراً لتحييد إيران عن الإمساك بالورقة اللبنانية، خصوصا أن ما قاله يوحي وكأن طهران ليست موجودة على الخريطة الدولية والإقليمية ولا تتعاطى في كل ما يدور في المنطقة؟
لذلك فإن إصرار نصر الله على عدم تحميل المسؤولية لطرف واحد لا يعني أنه سيتخلى – كما تقول المعارضة – عن حليفه عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لأن الطرفين محكومان بتبادل «الخدمات السياسية» ما دام أن الآخرين في الشارع المسيحي يواصلون حملاتهم على الحزب من جهة وفي استهدافهم لباسيل من جهة أخرى، وهذا ما يحتّم عليه احتضانه برغم أن شعبيته في الشارع المسيحي إلى تراجع.
وعليه، فإن انسداد الأفق أمام الإفراج عن تشكيل الحكومة يتلازم مع غياب الإدارة الفرنسية المولجة بالتواصل مع الأطراف اللبنانية لحثها على الإسراع بتشكيل الحكومة عن السمع ريثما تسمح الظروف الدولية لباريس في الحصول على «اللقاح السياسي» الذي من دونه لا يمكن تعويم المبادرة الفرنسية وإعادة الروح إليها، فيما بدأ الحريري يقترب تدريجياً من «الخطوط الحمراء» التي قد تضطره لأن يُشهر سلاح الموقف بوضعه النقاط على الحروف بلا كفوف في حال أن الأسابيع المقبلة لن تحمل بوادر انفراج تؤشر إلى ولادة حكومته من دون أن يتلازم موقفه مع اعتذاره عن تأليف الحكومة.