كتب علي الأمين في صحيفة “نداء الوطن”:
لعلّ الطبقة السياسية هي أفظع ابتلاءات اللبنانيين. أمراء من زمن الحرب الحامية والسلم البارد يجرّون الويلات تلو الويلات، من دون ان يرف لهم جفن، متسلحين “تقية بغيضة” تكاد تصيب من البلد مقتلاً.
أسماء “عتيقة” تتسلّل إليها “سلالة جديدة”، قد تكون أعتى من “السلالات المتحورة”، تمعن في تسخير “بلاط” بعبدا وتجييش الصراعات وافتعال التناقضات، كرمى لتعويم صهر القصر الوزير الأول جبران باسيل.
رئيس “التيار الوطني الحر” وما يتفرع منه من ألقاب شخصية وسياسية ووزارية، قرر ان يمارس آخر ألاعيبه المقيتة، بتنفيذ إستدارة واضحة فاقعة نحو إسرائيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أوراقه المحروقة أميركياً بفعل العقوبات، ويستلحق ركب “حليفه اللدود” “حزب الله”، ويزايد عليه وعلى الحكومة مجتمعة برؤسائها كافة، كي “لا يخرج من المولد بلا حمص”!
فعلى رغم الأزمات التي تعصف بلبنان معيشياً ومالياً وسياسياً، فان السجال السياسي بين اطراف المنظومة الحاكمة في لبنان لا يزال قاصراً عن ان يلامس الحلول المطلوبة، فلا الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يجد في لبنان معنى يتفوق على الصواريخ المنصوبة على اراضيه فيما الزناد بيد خارجية، ولا رئيس الجمهورية ميشال عون يبدي اهتماماً لشأن الدولة المتداعية، قدر اهتمامه بتوفير شروط استمرار “السلالة العونية” في السلطة وعلى قمتها بعد نهاية عهده. كذا الرئيس نبيه بري الذي بات مهتماً ومستنفراً للذود عن الدستور، في الوقت الذي صار فيه الدستور شاهد زور على كل تلك الانتهاكات، التي طالت الدولة والقانون والمؤسسات باسم الدستور، وبفضل مجلس النواب الذي غطى طيلة عهد الرئيس بري كل تلك الموبقات التي ارتكبت بحق الوطن والدولة.
على هذا المنوال يندفع الوزير السابق جبران باسيل، ليستعيد دوراً ونفوذاً بدا انه افتقدهما منذ بدأت انتفاضة تشرين، التي كشفت زيف معادلة السلطة والمحاصصة التي كان باسيل باسم الدستور ايضاً، يوغل في تهديم الدولة وافقارها تحت ذريعة حقوق المسيحيين، فيما الثابت ان لا شيء اهم لديه من الزبائنية اسوة بمن اتهمهم بسلب حقوق المسيحيين من حلفائه خاصة.
ليس الرئيس سعد الحريري خارج هذه المعادلة، وان كان الأقل براعة في مراكمة الثروة والسلطة، وهو الذي رضخ لمعادلة “التسوية الرئاسية” التي اشرف نصرالله على ادارتها، وأكملت تهشيم الدولة وتهميشها الى حدود الافلاس السياسي قبل المالي والاقتصادي.
يدرك رئيس “التيار الوطني الحر” ان شروط اللعبة لم تزل مستمرة، ولو كان هذا الاستمرار يتم على حساب المواطن والوجود المسيحي بالدرجة الأولى، ذلك ان الانهيار الذي يطال لبنان اليوم ولا يزال، هو العنصر الأقوى في استمرار منظومة السلطة، فأي دخول في مرحلة الحلول يتطلب بالضرورة تغييراً في بنية السلطة، في ذهنيتها وسلوكها وفي رموزها واشخاصها، وهو ما لم يتحقق بعد. ما قاله باسيل في مؤتمره الصحافي امس، مفاده أن استمرار هذه المنظومة يعني استمراره في صلبها وعلى رأسها، وان تغييراً يطاله يجب ان يطال الآخرين، وبالتالي هو لن يتخلى عن شروطه، طالما ان الآخرين من اقرانه في المنظومة الحاكمة لم تمس مصالحهم.
ولكن ما لم يقله باسيل صراحة هو تقديم نفسه عنواناً لمرحلة التغيير التي يبدو “حزب الله” معادياً لها، اي التطبيع مع اسرائيل، وهو موقف يحاول باسيل من خلاله ان يقف على رأس فريق لبناني يجد مصلحة في الانفتاح على مشاريع التسوية مع اسرائيل، وان كانت الحريرية السياسية متهمة منذ زمن الشهيد رفيق الحريري بالرهان على هذه التسوية، فان باسيل اليوم يقدم نفسه انه القادر على ادارة ملف التسوية لبنانياً، من دون ان يكون في موقع العداء مع “حزب الله”، بل من موقع الحليف والمتفاهم معه ان لم يكن في العلن، ففي العمق بالتأكيد.
هذه الوظيفة التي يسعى باسيل الى ترسيخها، وعلى رغم العقوبات الأميركية التي طالته، فهو لا يجد فكاكاً منها على الأرجح، الا بالمزيد من الرهان على احداث خرق لبناني باتجاه اسرائيل.
ما قاله باسيل امس هو أصل الموضوع، ان ما يمكن ان يذهب اليه الحريري لن يصل الى ما يمكن ان يتقدم به تجاه ملفات التطبيع او “السلام”!