كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
كيف يُمكن الرئيس سعد الحريري أن يجمع بين فرنسا والإمارات وتركيا؟ نظراً الى العلاقة بين الدول الثلاث، تبدو «المهمة» معقّدة. لكن الإجابة قد تكون أسهل ممّا يعتقد البعض إذا ما كان سبب زيارة إسطنبول… «شخصياً جداً»!
أوحَت الزيارة المفاجئة للرئيس المكلَّف سعد الحريري إلى تركيا، غداة الأعياد، بأنها ذات أبعاد سياسية، خصوصاً أنها جاءت بعد زيارتين للإمارات وفرنسا اللتين بينهما وبين «الباب العالي» ما صنع الحدّاد. فصدى العداء بينَ اسطنبول وأبو ظبي يتردّد في أنحاء الخليج والقرن الأفريقي والأرض الليبية. وما بينَ اسطنبول وباريس خلاف على الغاز في البحر المتوسّط ونزاع في ليبيا وناغورني كاراباخ، ونقمة على «الأجندة المعادية للإسلام عندَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون» وفقَ ما تتهمه أنقرة. في مقابل ذلك كله، فإن علاقة الحريري بكل من ماكرون ورجَب طيب أردوغان ومحمد بن زايِد تراوح بين البرودة والسوء… فأي دور يُمكن للحريري، العاجز عن تأليف حكومة منذ أشهر، أن يقوم به على طاولة «الكبار»؟
تكتُّم الحريري على الزيارة وعلى لقائِه إردوغان، حتى مع أقرب المقربين، فتحَ الخيال واسعاً على سيناريوهات تتخطّى حجم رئيس تيار المستقبل نسبةً إلى حجم الملفات في المنطقة. وربما كانَ التكتّم مقصوداً للإيحاء بوجود «غطاء سنّي» إقليمي يتمنّاه الرئيس المكلف، كي لا يظهر وحيداً ويُستفرَد به في معركة تأليف الحكومة.
لكن الواقع أن السياسة كانت الأقل حضوراً في برنامج الزيارة التركية والزيارتين اللتين سبقتاها. فوفقَ المعطيات، لم يعقد الحريري في الإمارات وفرنسا لقاءات مع مسؤولين، أو أقله لم تُسجّل لقاءات يُبنى عليها. في الأولى، كانَت مجرّد «فرصة عائلية»، وفي الثانية سمِع عن «صدمة» من الأداء اللبناني في التعاطي مع الأزمة… لا أكثر. أما اسطنبول فقد قصدها، وفق مصادر مطلعة، لأسباب شخصية لها علاقة بأمور عالقة في شركة «تركتيليكوم» التي كانَ يملِك الحصة الأكبر فيها عبرَ «أوجيه تيليكوم»، والتي وافقت وزارة الخِزانة التُركية عام 2018 على نقل مُلكيتها إلى مجموعة من البنوك الدائنة. بعد عجزها عن تسديد ديونها التي قُدّرت بأكثر من 7 مليارات دولار، و«تهربها» من تسديد قروض مستحقة رغم تسجيلها 2.5 مليار دولار أرباحاً عام 2014، و1.3 مليار دولار في كل من 2015 و2016. وأوضحت المصادر أنه «بعدما قررت الحكومة التركية استرداد الشركة، حجزت احتياطياً، لمدة عامين، على أموال الرئيس الحريري في المصارف التركية، من أجل دفع ديون لجهات تركية». وقد «يكون الهدف من الزيارة المطالبة باسترداد مبالغ مالية بعدَ انتهاء مدة الحجز». ورجّحت أن يكون الحريري قد وضع الإماراتيين والفرنسيين في أجواء الزيارة «كي لا تُفسّر في غير مكانها». وأفاد عارفون بأن «اللقاء تناول قضية مرفأ بيروت، ولمّح الرئيس التركي الى رغبة تركية المشاركة في إعادة الإعمار»، لافتين الى إعلان مكتب الحريري أنه بحث مع الرئيس التركي «سبل دعم جهود وقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت فور تشكيل الحكومة الجديدة».