كتبت راجانا حمية في صحيفة “الأخبار”:
تتمدّد أزمة شح الأدوية وانقطاعها لتطال أمكنة «حساسة». فإلى أزمة فقدان الأدوية في الصيدليات، بدأ المرضى في المستشفيات، أيضاً، يعانون من انقطاع الأدوية وبدائلها، ما ينعكس سلباً على حالتهم الطبية، وخصوصاً لمن يرقدون في العنايات الفائقة، والذين قد يفقدون حياتهم، فيما لو تأخرت «الجرعة» عن موعدها.
لامست الأزمة حدود الخطر مع رفع صيادلة المستشفيات الصوت، محذّرين من كارثة ستحلّ عاجلاً أو آجلاً في غرف المرضى مع الشح الكبير في الأدوية وانقطاع البعض الآخر. وما يزيد الخوف هو «فقدان التوازن» على مسارين: أولهما مسار الاستيراد البطيء للأدوية، وثانيهما مسار عدّاد كورونا الذي يتصاعد بسرعة جنونية ضاعفت الطلب على أنواعٍ محددة من الأدوية، أهمها أدوية «النوم» لمرضى العنايات الفائقة وبعض أدوية الالتهاب.
قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، خرج صيادلة المستشفيات عن صمتهم وأصدروا بياناً، قبل أيام، يحذّر من أزمة إنسانية «ما لم تتحرك الجهات الرسمية ومصرف لبنان لحل هذا الوضع المتأزم المتعلق بالدفع نقداً لتأمين استيراد الدواء». ولئن كان هؤلاء قد أشاروا إلى الأثر الإيجابي للمساعدات الدوائية التي وصلت عقب انفجار المرفأ، إلا أنها عملياً لم تفعل سوى أنها أسهمت في تأخير الصرخة. لذلك، المطلوب حل جذري، وخصوصاً أن الأزمة اليوم تتخطى «الحاجة لبعض الأدوية البسيطة إلى حاجات ملحّة لمعالجة الأمراض المزمنة والمستعصية والحالات الطارئة».
الأزمة في صيدليات المستشفيات أسوأ منها في الصيدليات العادية. هذا ما يؤكده رئيس صيدلية أحد المستشفيات الحكومية المركزية. إذ إن «المريض العادي يمكن أن يتأخر عن تناول الدواء يومين أو ثلاثة لحين تأمينه من إحدى الصيدليات، أما في المستشفى، فلا نستطيع أن نقطع جرعة دواء واحدة عن المريض، وخصوصاً من هم في العنايات الفائقة، لأن ذلك قد يؤدي إلى إطالة فترة العلاج أو إحداث رد فعل عكسي». لذلك، «انقطاع الأدوية في هذه الأمكنة بالذات كارثة».
الأزمة تطال معظم المستشفيات، خاصة وحكومية، وإن بدرجات متفاوتة، والذريعة الدائمة: الـ«فريش دولار». بحسب أحد مديري المشتريات، ثمة سببان أساسيان هنا، أولهما أن «بعض الأدوية تتأخر في الوصول بسبب آلية الاستيراد المعتمدة، ما ينعكس انقطاعاً في كثير منها». والثاني هو «تمقطع المستوردين وأصحاب المستودعات بنا». وهما السببان نفسهما اللذان يعدّدهما نقيب الصيادلة في لبنان، غسان الأمين، «حيث تتكاتف هذه العوامل لتضاعف أزمة لا تنتهي في المستشفيات». وقد دفع ذلك ببعض الصيدليات إلى مخالفة القوانين «والتشبيك مع أكثر من مستورد لتأمين الأدوية التي لا يمكن الاستغناء عنها بلا مناقصات». مع ذلك، لا يجدي هذا «التشبيك» نفعاً في بعض الأحيان، «وخصوصاً عندما ينقطع الدواء الأصلي وبديله معاً، أو عندما لا يكون للدواء الأصلي بديل من الأساسي»، وهو ما ينعكس على المرضى «الذين نضطر في بعض الأحيان إلى إعطائهم أكثر من دواء لتغطية حاجتهم إلى الدواء الأصلي، ما يؤثر على فعالية العلاج».
كل الأدوية تكاد تشهد انقطاعاً، وإن كانت الأزمة الأشد اليوم تطال تلك التي تستخدم في علاج مرضى «كورونا»، نظراً إلى زيادة عدد المصابين في المستشفيات وارتفاع الطلب. ومنها، مثلاً، أدوية «المنوّم» التي يستخدمها مرضى كورونا في غرف العناية الفائقة، إضافة إلى أنواع أخرى باتت الحاجة ماسة إليها، وبعضها على طريق الانقطاع، كأدوية MODAZOLAM, FENTANYL, PROPOFOL, TRACRIUM-ESMERON.
«نحنا بأزمة». هذا ما يعيد التذكير به الأمين. ولذلك، «ليست مفاجئة شكوى صيادلة المستشفيات، في ظل ازدياد مرضى جائحة كورونا». وهنا، ليس المطلوب علاجات موضعية، وإنما «إخراج الدواء من نطاق المزايدات والضغوط حتى لا يحدث ما يحدث اليوم من تهافت».