Site icon IMLebanon

واشنطن ـ طهران: حرب خجولة في صراع مفتوح

كتب وهبي قاطيشه في صحيفة “نداء الوطن”:

 

تحرّكت أخيراً الآلة العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط؛ لدرجة دفع ببعض المحلّلين العسكريين إلى توقّع ضربة عسكرية أميركية وشيكة لأهداف داخل إيران، وعلى رأسها المنشآت النووية الإيرانية. وذهب البعض إلى تحديد تواريخ وسيناريوات لها قبل تغيير الإدارة الأميركية، والقول إنّ هذه الضربة تخدم مصلحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب داخل أميركا. فما مدى صحّة هذه التحليلات؟ وهل للولايات المتّحدة الأميركية مصلحة في توجيه ضربة عسكرية لإيران في الوقت الحاضر؟ أو في وقت آخر؟ ولماذا؟

الصراع المفتوح بين واشنطن وطهران يعود لأربعة عقود، عندما أطاح رجال الدين الإيرانيين بالشاه محمد رضا بهلوي عام 1979. هذا الصراع فتح الباب لمواجهات مباشرة أو بالواسطة، علنية أو سرّية، خفيفة ومتدرّجة… بين الجانبين؛ تخللتها انفراجات، ولو محدودة في عهدي الرئيسين كلينتون وأوباما. لكنّ وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض أعاد سخونة ساحة المواجهة بين البلدين إلى مستوى لم يعهده الجانبان من قبل؛ لدرجة يمكن فيها القول إنّ الدولتين تخوضان اليوم حرباً، وإن كانت خجولة نظراً لاقتصارها على البعد الإقتصادي، إلا أنها قد تحتاج إلى شرارة ما لاندلاعها عسكرياً. فما هي العناصر التي قد تتسبّب بمواجهة عسكرية مفتوحة بين البلدين؟ أو لنكن علميين، لنقُل: قد تقود إلى توجيه ضربة عسكرية مدمّرة لإيران؟ لأن هذه الأخيرة عاجزة حتماً عن الردِّ بفعالية على أيّ عملٍ عسكري أميركي بسبب عجز آلتها العسكرية عن مواجهة الآلة العسكرية الأميركية.

الإجابة ببساطة: لأنّ إيران تحاول امتلاك سلاح نووي خلافاً للإتفاقات التي وقّعت عليها مع الأسرة الدولية؛ ولكن لماذا تُصِرُّ على امتلاك سلاح نووي؟

يجيب خبراء الاستراتيجيا بأنّ إصرار بعض الدول (وهي قلّة) على امتلاك سلاح نووي يعود لأحد الأسباب الثلاثة أو المزيج منها:

السبب الأول: عندما يكون البلد مهدَّداً بجغرافيته أو بمصالحه الحيوية. هذا السبب لا يبرّر لإيران البحث والإصرار على امتلاك سلاح نووي؛ لأنّها غير مهدّدة من جيرانها أو من أيّ دولة أخرى؛ لا بل هي تهدّد هؤلاء الجيران.

السبب الثاني: أن تخطط للهيمنة والسيطرة على محيطها، وهذا ما تمارسه حالياً إيران بأذرعتها العسكرية، وتخطّط لتعزيز هذه الهيمنة بامتلاك سلاح نووي؛ الأمر الذي يرفضه جيرانها والأسرة الدولية؛ لأنّها تمارس الإرهاب للسيطرة، وتحاول تعزيز هذا ا الإرهاب والسيطرة بالسلاح الأخطر: النووي.

السبب الثالث: البحث عن دور أكبر من طاقتها. فأدوار دول العالم مرتبطة بطاقة كلّ منها الإقتصادية والتجارية والتقنية… بينما تصرّ إيران على امتلاك السلاح النووي للتهويل وفرض دور يتجاوز طاقاتها الطبيعية. وهذا ما ترفضه الأسرة الدولية، إذ يفتح الباب واسعاً للتماثل، ما يشكل خطراً على الإستقرار والسلم العالميين.

باختصار، كلّ هذه الأسباب الثلاثة وغيرها الكثير تدفع بالأسرة الدولية للعمل على منع إيران من امتلاك سلاح نووي.

داخل هذه المعادلات الأممية، يشهد الصراع المفتوح بين أميركا وإيران سخونة مرتفعة لسببين:

الأول: محاولة إيران السيطرة على الشرق الأوسط بمظلّة قضية فلسطين التاريخية، ودينامية المذهب الشيعي الذي شكَّل لها أذرعاً عسكرية وإرهابية عاملة على مستوى المنطقة والعالم. هذه المحاولة تهدّد الإستقرار في الشرق الأوسط، وتنشر الإرهاب في بعض العواصم الدولية، وقد ينتج عنه انتشار عدم الإستقرار في مناطق أخرى من العالم؛ ونحن نعيش اليوم نموذج هذه المحاولة في المنطقة والعالم من الهيمنة إلى تصنيف معظم دول العالم لـ”حزب الله” منظّمة إرهابية في لبنان.

الثاني: أمّا السبب الثاني فيعود إلى إصرار إيران والعمل على امتلاك سلاح نووي يهدّد الإستقرارين الشرق أوسطي والدولي. ويسأل البعض: لماذا يُعتبر امتلاك إيران للسلاح النووي تهديداً للإستقرارين الإقليمي والدولي، بينما تمتلك دول أخرى هذا السلاح، وبعضها بشكلٍ غير شرعي دولياً، ولا يُعتبر امتلاكها له، عكس إيران، تهديداً للسلم العالمي؟

بصرف النظر عمّن من الدول له الحقّ بامتلاك سلاح نووي ومن ليس له حقّ؛ وهذا الحقّ ترعى بعضه الإتفاقات الدولية التي وافقت عليها إيران؛ وبصرف النظر عن أنّ البعض يمتلك سلاحاً نووياً تسبّب بوقف الحروب بين المتخاصمين (كما هي حالة العداء بين دولتي الهند وباكستان)؛ إلاّ أنّ الأسرة الدولية تعتبر أنّ السلاح في يد نظامٍ ديني مذهبي متطرّف، كالنظام الإيراني، يشكّل خطراً جماعياً على السلام العالمي. لأنّ سلاحاً فتَّاكاً بهذا الحجم القاتل والتدميري في إيران لن يكون خاضعاً لسيطرة الجيش النظامي الإيراني، إنّما لسيطرة “الحرس الثوري الإيراني” المتفلِّت من الأطر العملية والواقعية “الدولتية” لعمل الجيوش النظامية في الدول الديموقراطية. هذه الجيوش ترتاب، لا بل ترفض، استخدام سلاح تدميري كهذا في المواجهات العسكرية. بينما قد تقود إيديولوجية “الحرس الثوري الإيراني” هذا الأخير، إلى استخدام هذا السلاح، تطبيقاً لمذهب “الحقَّانية، الذي يجتهد بعض علماء الدين الإيرانيين في اعتناقه وتسريع نتائجه. من هنا معارضة الأسرة الدولية، وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأميركية، لامتلاك إيران سلاحاً نووياً.

ويبقى السؤال: كيف ستنتهي الأزمة الحالية بين الدولتين؟

سوف تطول الأزمة الحالية بين واشنطن وطهران ولن تنتهي قبل الوصول إلى حلٍّ لـ:

1- وضع حدٍّ للتمدُّد الإيراني في المنطقة وحلِّ أذرعتها العسكرية والعودة إلى حدودها الطبيعية.

2- إعادة إخضاع برنامجها النووي لشروط جديدة لمنع حصولها على النووي العسكري بالإشراف المباشر والدقيق من قبل مراقبي الأمم المتّحدة ومنع تطوير برنامجها الصاروخي.

وقبل حلِّ هاتين المسألتين لا يمكن لإيران نسج علاقات طبيعية مع دول العالم، ولا للشرق الأوسط أن يستقرّ.

وبانتظار نتائج الحصار والعقوبات التي يمكنها الإنتظار من قبل الولايات المتّحدة الأميركية، لن تقدم واشنطن على توجيه ضربة تدميرية، وقد تشاركها بها إسرائيل، للمنشآت النووية الإيرانية، إلاّ إذا تأكَّدت واشنطن من أنّ إيران وصلت إلى الخطّ الأحمر الذي قد يسمح لها بالعبور إلى السلاح النووي. ففي هذه الحالة، قد تبادر واشنطن، من جانب واحد وبشكلٍ مفاجئ، إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية. أما الحشد العسكري الأميركي المستجدّ أخيراً في الخليج فقد يهدف إمّا إلى تصعيد الضغط على إيران لإجبارها على المفاوضات ما قد يخدم مصالح ترامب الإنتخابية، وإمّا تحضيراً لعملٍ عسكري مفاجئ ضدّ المنشآت النووية الإيرانية إذا تجاوزت إيران الخطّ الأحمر. وهذا الأخير يبقى سرَّاً لا يعرفه سوى قلّة من المسؤولين حتّى في البيت الأبيض؛ بينما التكهّنات التي يروّجها البعض عن تحديد تواريخ وسيناريوات وأسباب غير تأكيد الخطّ الأحمر، فهي تدخل في عالم التنجيم.