كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
ألهب الفيديو «المدوّي» أزمة الثقة بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، ورفدها بمواد مشتعلة، من شأنها ان تضفي تعقيدات اضافية، ليس فقط على ملف تشكيل الحكومة بل أيضاً على العلاقة الشخصية بين الرجلين.
بمعزل عمّا اذا كان عون قد تعمّد تسريب اتهامه للحريري بالكذب ام لا، فإنّ الاكيد هو انّ رئيس الجمهورية افصح عمّا يختلج في داخله، وعبّر عن حقيقة رأيه في سلوك الرئيس المكلّف، علماً انّ ما لا يزال مخفياً من المشاعر المتبادلة بين الرئيسين هو اعظم على الارجح.
واذا كان الكبرياء الشخصي والسياسي يجب أن يدفع الحريري، من حيث المبدأ، الى الاعتذار عن التكليف، الّا انّ من الواضح انّه لا يزال يرفض الاعتذار لاعتبارات عدة، من بينها دافع «النكاية» برئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، إذ انّ رئيس «تيار المستقبل» لا يريد أن يريحهما منه بهذه البساطة، ويمنحهما انتصاراً سياسياً عليه، بعدما أصبح مقتنعاً بأنّهما يسعيان الى إحراجه لإخراجه.
لجَم الحريري غضبه وانفعاله، واستعان بالكتاب المقدّس للردّ على فيديو عون، من دون أن يعطي اي إشارة الى انّه في صدد إخلاء الساحة و»تحرير» رئيس الجمهورية، افساحاً في المجال أمام تسمية شخصية أخرى لرئاسة حكومة الإنقاذ، كما يريد قصر بعبدا.
وبينما استمر كلام عون حول الحريري بالتفاعل، عُلم انّ التسجيل المسرّب ليس كاملاً، ولا يحوي كل ما قاله رئيس الجمهورية أمام الرئيس حسان دياب، لأنّ المصور أطفأ الكاميرا قبل أن يكون عون قد أنهى الدردشة مع دياب.
وتفيد المعلومات، انّ عون، وفي الجزء غير المسرّب من كلامه، اتهم الحريري بأنّه لا يريد التدقيق الجنائي والمحاسبة، «وما بدو يزعّل حدا، بل همّه فقط السلطة واستمرار الصفقات، ولذلك لا يصلح أن يكون رئيس حكومة الإنقاذ..».
ويؤكّد زوار بعبدا، ان ليس هناك أي شعور بالانزعاج او الضيق لدى عون نتيجة التسريب الذي حصل، «بل هو مرتاح ومتصالح مع نفسه، خصوصاً انّ التقارير التي وصلت إلى القصر الجمهوري أظهرت انّ نسبة كبيرة من اللبنانيين الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أبدوا تأييدهم لما صدر عنه»، وفق تأكيد القريبين منه.
اكثر من ذلك، يوضح المطلعون، انّ الامر الوحيد الذي أزعج عون هو انّ التسريب الصوتي للدردشة مع رئيس حكومة تصريف الاعمال لم يكن كاملاً، ولم يشمل تتمة كلامه الذي يتضمن «مزيداً من المصارحة والشفافية في التعليق على تصرفات الحريري».
وقد اتى هجوم بعض الجهات التركية على الحريري بتهمة تهرّب شركة الاتصالات التي يملكها في تركيا من دفع الضرائب، ليعزز موقف عون ويقوّيه في مواجهة الرئيس المكلّف، كما يفترض بعض المحيطين برئيس الجمهورية.
وتبعاً لاوساط بعبدا، فإنّ الانتقادات الحادة التي وجّهها عون الى الحريري «تلبّي مطلب كثر من اللبنانيين الذين كانوا يناشدونه بأن يعود الجنرال الحازم الذي عرفوه، وبأن يسمّي الأشياء بأسمائها من دون مواربة، وهذا ما فعله وما سيفعله مستقبلاً، لأنّ الوضع لم يعد يحتمل المسايرة، وكلما وجد ضرورة لتسمية الأمور كما هي، فسيسمّيها بشجاعة تامة، مهما علا شأن المتضرر من ذلك».
ويعتبر المتحمسون لعون، انّ تسريب امس الأول تحول عملياً رسالة ليست فقط إلى الحريري، بل الى البطريرك الماروني، وكذلك الثنائي الشيعي، الذي لا يزال مصراً على احتضان الحريري، «واذا كان خيار «حزب الله» والرئيس نبيه بري نابعاً من الحرص على تجنّب اي نزاع سنّي- شيعي، ومنع اي فتنة مذهبية، فلا يجوز أن يكون ثمن هذا الخيار المجازفة بلبنان ككل، وبالتالي أصبحت هناك حاجة إلى جلسة مصارحة مع الحزب في هذا الشأن المفصلي».
ويشير قريبون من عون، الى انّ الحريري أصبح بين خيارين: اما الاعتذار عن التكليف، واما التراجع عن النهج السابق في تشكيل الحكومة واعتماد القواعد والمعايير التي سبق أن ناقشها عون معه خلال الاجتماعات بينهما.
ويشدّد هؤلاء على أنّ عون هو الذي ينتظر جواباً من الحريري وليس العكس، «إذ انّ رئيس الجمهورية، وعندما استلم منه التشكيلة، أبلغ اليه في حينه بأنّها لا تتضمن المعايير المطلوبة ولا تصلح للإنقاذ. وطرح عليه مقاربته لمبادئ التشكيل على مستوى الحقائب والطائف، لكن الحريري ذهب ولم يعد، وعون لا يزال ينتظر منه تشكيلة تتواءم مع المقاييس المعادلة التي هي مقاييس وطنية وليست شخصية».
واللافت، انّ المحيطين بعون ينبهون الى انّه اذا لم يعتذر الحريري ولم يبدّل نهجه في نمط التأليف، فإنّ هناك حلولاً أخرى ستُبحث في الوقت المناسب. مشيرين الى انّ رئيس الجمهورية «يعرف انّ الازمة القاسية التي يمرّ فيها لبنان لا تتحمّل اي نزاع على السلطة بالمفهوم الكلاسيكي، ويعرف انّ الإصلاحات الضرورية في قطاعات عدة، والمفاوصات الملحّة مع صندوق النقد الدولي، لا تتحمّلان مزيداً من الانتظار، الّا انّه لن يقبل بأي حكومة كانت تحت الضغط، وها هو مجلس الدفاع الأعلى يجتمع عند الضرورة ويتخذ القرارات الضرورية، للتخفيف نسبياً من اضرار غياب الحكومة الأصيلة، ولو انّه لا يمكن أن يكون بديلاً منها».
ويضيفون جازمين: «إنصاف الحلول لم تعد مقبولة لدى عون، بعدما أضاع الحريري كثيراً من الوقت الثمين منذ تكليفه، ويجب أن يتصرف الجميع على هذا الأساس».