بكثير من الخيبة والاستغراب، تنظر الدوائر الدبلوماسية الغربية الى ما يدور على المسرح السياسي اللبناني من مناكفات وسجالات بين كبار المسؤولين لاسيما الرؤساء الواجب ان يصبوا كل اهتماماتهم على عملية انقاذ لبنان من الانهيار الحتمي قبل فوات الاوان. ذلك ان ما شهدته الايام الاخيرة من حفلات “تهشيم” وتجريح شخصي ببعضهم البعض لا يرقى الى ادنى مستويات المسؤولية في لحظة خطيرة كتلك التي يمر بها وطنهم، ولا عجب مع طبقة سياسية مماثلة ان يصل لبنان الى حيث هو في قعر الهاوية.
مصادر في الدوائر الدبلوماسية المشار اليها تقول لـ” المركزية” ان رغم الادارة السياسية السيئة للبلاد، فإن الدول الصديقة للبنان غضت الطرف عن كل السوء والاقترافات وبادرت الى مد يد المساعدة، ليس للسلطة الفاسدة التي ذهب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى وسمها بصفة الخيانة، من دون ان يرف لها جفن، انما للشعب. وقد سارعت فرنسا الى رسم خريطة طريق انقاذية لتخطي المرحلة بأقل قدر من الخسائر وخص رئيسها بيروت رغم كل انشغالاته الداخلية بزيارتي دعم وأعدّ لثالثة لو لم تجبره اصابته بفيروس “كوفيد-19” على ارجائها. مقابل كل ذلك انحدر الاداء السياسي اللبناني من سيء الى اسوأ، وعوض الانكباب ليل نهار على الشروع في تنفيذ المبادرة التي مضى على طرحها اكثر من خمسة اشهر، انكب المسؤولون على مراشقة بعضهم بالتهم وتبادل مسؤوليات العرقلة، في مشهد اقل ما يقال فيه انه معيب ومبك، فشعب لبنان المقدام الطموح اللامع حيثما حلّ لا يستحق ان تحكمه طبقة سياسية مماثلة.
وتشير المصادر الدبلوماسية الى ان المبادرة الفرنسية، الخيار الانقاذي الوحيد للبنان، ليست الا خريطة طريق لمرحلة انتقالية ريثما تتوضح طبيعة التغيرات في العالم والمنطقة وتأثيرها على لبنان وسائر دول الجوار، من هنا كان تحديدها بفترة ستة اشهر، اذ بعد هذه المدة لا بد ان يتظهر المشهدان الدولي والاقليمي، آنذاك يمكن البحث في كل شأن يشغل اللبنانيين من ازماتهم السياسية والمالية الى نظامهم، الذي تعلو اصوات كثيرة لاسيما من فريق الممانعة ومن ينتمون ويؤيدون محور الجمهورية الاسلامية الى تغييره.
بيد ان في ظل التقلبات الدراماتيكية على مستوى العالم والاقليم، ليس الزمان زمن تغيير انظمة او مجرد البحث بها حتى،تشدد المصادر، بل هو وفق مقولة “عند تغيير الدول احفظ رأسك” وهذا ما لا يفهمه المسؤولون في لبنان، اذ يمضون في سياسة رعناء تحشر انف لبنان في صراعات الكبار التي سيدفع ثمنها انهيارا وربما زوالا، كما حذر وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان، عوض اعتماد سياسة الحياد التي ينادي بها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي و لطالما جنبت البلاد على مر التاريخ ويلات كثيرة.
وتحذر المصادر المسؤولين اللبنانيين من ان عدم الخروج من محور الصراع الاقليمي- الدولي واستمرار الانغماس في وحوله من دون تشكيل حكومة انقاذية سريعا تمكن لبنان من الصمود في مواجهة عاصفة المتغيرات وتسمح بالبقاء على قيد الحياة من خلال خطة المساعدات التي تؤمنها المبادرة الفرنسية، سيدفع ثمنه لبنان الوطن والمواطن ، في حين ان المسارعة الى تنفيذها من شأنه ان يمده بجرعة اوكسيجين الى حين. وبعدها تمكن المساءلة والمحاسبة والتدقيق وحتى البحث في تغيير النظام.