ماذا بعد «اكتمال نصاب» مجاهرة الرئيس ميشال عون وفريقه بـ «عدم ائتمان» الرئيس المكلف سعد الحريري على مهمته بتأليف الحكومة، وهو ما بدأه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل و«بالفم الملآن» مع الهجوم الصاعق على زعيم «تيار المستقبل» (الأحد) وتَوَّجَه عون (الاثنين) من خلف كمّامةٍ وبتسجيل صوتي اتّهم فيه الحريري بـ «الكذب» في ملف التشكيل ولم يَسْقط من الحسبان أنه يكون تسريبه بمثابة «خطأ متعمّد»؟
هذا السؤال طغى على المشهد اللبناني أمس، على وقع انتقال معركة «يا قاتل يا مقتول» بين عون والحريري إلى مرحلة أقرب إلى استخدام «السلاح الأبيض»، في ما بدا، وفق أوساط مطلعة، «مبارزة بالسيف» تركّز على تسديد نقاطٍ تمعن في تهشيم صورة الرئيس المكلف وترْكه أمام اعتذارٍ اضطراري تحت وطأة جدار الشروط التي لا يمكنه التسليم بها لاعتبارات داخلية وخارجية، كما حجم الإساءات الشخصية التي يتعرّض لها وتشكل إحراجاً له لِما يمثّله موقع رئاسة الحكومة في لعبة التوازنات الدستورية والطائفية.
ومع تكريس تَحَوُّل العلاقة بين عون والحريري «ركاماً» وتالياً انهيار مسار تأليف الحكومة بالكامل وسط رفْع الرئيس المكلف معادلة «لا اعتذار ولا استسلام أمام الشروط»، تدافعتْ المخاوف في بيروت التي لم تهنأ باستفاقة السلطات وإعلانها حال طوارئ صحية وقفل البلاد مع حظر تجول على مدار الساعة (من يوم غد حتى 25 الجاري) واستثناءاتٍ قليلة (شملت المطار) لزوم محاولة تصفيح شبكة الأمان التي مزّقها «كورونا» تاركاً البلاد في «شِباك» الفيروس الفتّاك وكوابيس صارت ترتسم في المستشفيات وبيوتات سكنها المرض والموت.
وفيما كان العالم مشدوداً إلى الأمتار الأخيرة من «سباق» خروج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض وما قد تحمله الأيام السبعة المقبلة من مفاجآتٍ على رقعة شطرنج المنطقة التي يرتبط لبنان بفتائلها عبر «الأوعية المتصلة» خصوصاً بعد الضغط مجدداً على «زناد» العقوبات، يمنياً وعراقيا، قرع سقوط أي إمكان لـ «ترقيع» علاقة عون – الحريري جرسَ الإنذار مما ينتظر البلاد التي «ابتلع» واقعها المعقّد وموازين القوى فيها المبادرة الفرنسية التي عاد الحريري على «حصانها» الى رئاسة الحكومة، وبعدها مسعى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
ولم تعُد الأوساط الواسعة الاطلاع تكتم أسئلة كبرى من نوع، ما الذي، أو أي حدَث، يمكن أن يكسر حلقة المراوحة القاتلة في حلقة جهنمية من انهيار مالي – اقتصادي – وبائي مضافاً إليها مأزق سياسي، فيما المجتمع الدولي لا ينفكّ يُعطي إشارات «قَرَف» من أداء الطبقة السياسية التي «يستثمر» بعضها في «حُطام التايتنيك» إما لحسابات داخلية سُلطوية وإما إصراراً على استرهان البلاد حتى «آخر رمق» لصراع المحاور في المنطقة وحاجة إيران لإبقاء كل أوراقها «ملقّمة» ملاقاةً لدخول جو بايدن البيت الابيض.
وما يزيد المخاوف من مرحلة «لبنان المتروك» أن المكاسرة بين عون والحريري في الساعات الأخيرة لم تترك مجالاً لتَصَوُّر إمكان بقاء أي «خط رجعة»، كان كثيرون اعتبروا أساساً أنه انتفى منذ أن رفع رئيس الجمهورية عشية تكليف زعيم «المستقبل» في اكتوبر الماضي فيتو غير مسبوق على تسميته، لتثبت الأسابيع الماضية أن علاقة الرجلين، ومعها علاقة الحريري بباسيل واعتبارات تحالف «التيار الحر» – حزب الله وإن بتقاطعاتٍ تفيد حسابات كل منهما، تجعل استعادة «فترة التعايش» التي شكّلت تسوية 2016 ناظمها السياسي… من الماضي.
ولم يكن ينقص التوتر العالي على خط عون – الحريري الذي ارتفع منسوبه بعد كلام باسيل الأحد، إلا ما سجّلته كاميرا فيديو من دردشة دارت بين عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، قبيل انعقاد المجلس الأعلى للدفاع (الاثنين) سأل فيها دياب رئيس الجمهورية عن وضع التأليف فأجابه: «ما في تأليف. عم يقول (الحريري) عطاني ورقة. عم بيكذّب. عامل تصاريح كذب وهلق ليك قديش غاب.ليك حظن اللبنانيين، وهلق راح عتركيا ما بعرف شو بيأثر». وأحْدث هذا الفيديو الذي كانت محطة «الجديد» أول من عرضه، صخباً قوياً في بيروت حيث اختار الحريري أن يرد على عون بعبارة من الكتاب المقدس عن المكر والغش في تغريدة، قال فيها «من الكتاب المقدس – سفر الحكمة: ان الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر، ولا تحل في الجسد المسترق للخطية، لأن روح التأديب القدوس يهرب من الغش، ويتحول عن الأفكار السفيهة، وينهزم اذا حضر الإثم».
ومع تَفاعُل ما وُصف بـ «فيديو الشتيمة»، انبرى القصر الجمهوري وفريق عون لما يشبه الهجوم إلى الأمام متفادياً الاعتذار او التنصل من كلمة «بكذّب»، وناقلاً المسألة لكونها تحريفاً اتّهم «الجديد» بالقيام به عبر إيرادها أن رئيس الجمهورية قال لدياب «الحريري عم يقول عطاني ورقة» (في إشارة الى تشكيلة الـ 18 وزيراً التي أودعها اياه قبل اسابيع قليلة) في حين أن الرئيس قال «ما عطيناه» (أي ان عون لم يسلمّه لائحة مضادّة بأسماء وزراء)، ليستعين «التيار الحر» في بيانه – الرد بالقرآن الكريم: «قال الله تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل: 105]».
ولم يتأخر «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي يقوده وليد جنبلاط بالدخول على هذا الاشتباك، معتبراً «ان الفيديو الفضيحة» يؤكد ما كان معروفاً سلفاً قبل التكليف من خلال رسالة رئيس الجمهورية التحذيرية الى النواب، وهو ما عاد وأثبته كلّ مسار التأليف «بأنه وفريقه لا يريدان سعد الحريري لتشكيل الحكومة»، ملمحاً مجدداً لما كان جنبلاط أعلنه قبل أيام من دعوة الحريري للاعتذار «فلينتحروا لوحدهم».
وفي موازاة ذلك، وعلى وقع تكثيف الانتهاكات الجوية الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، طلب عون من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبه، توجيه رسالة عاجلة الى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لإدانة ما ترتكبه إسرائيل من اعتداءات وخروق جوية لسيادة لبنان وللقرار 1701.