كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
حلَّ الفيديو المُسرّب لرئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يتهم فيه الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري بـ»الكذب»، عاملاً جديداً على ملف التأليف، ليزيد من الجليد الحكومي وجمود هذه العملية الدستورية، في وقتٍ لم تكن قد نجحت بعد أيّ من الوساطات الداخلية والإشارات الخارجية في إعادة مياه التأليف الى مجاريها واستئناف لقاءات التأليف والمشاورات الحكومية بين عون والحريري.
قوبِل الفيديو المُسرّب من القصر الجمهوري، خلال لقاء عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب قبَيل اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أمس الأول، بردات فعلٍ قاسية وتصعيدية، خصوصاً من الحريري المعني المباشر بكلام عون وتيار «المستقبل». فبدأت الاتهامات المتبادلة بين فريقي الطرفين بـ»الكذب».
هذا الفيديو سرّبته قناة «الجديد» بالصوت والصورة، مُرفقاً برد عون على سؤال دياب عن وضع تأليف الحكومة، كتابةً بالعامية، بحيث أجاب عون: «ما في تأليف. عم يقول (يقصد الحريري) عطاني ورقة. بكذّب. عامل تصاريح كذب وهلّق راح عا تركيا، وليك قدّيش غاب شو بيأثّر. ليك حَظّن اللبنانيين». وأدى هذا التسريب الى ردات فعل من جهات عدة رفضت كلام عون، وجرى التركيز على أنّ رئيس الجمهورية ناقضَ نفسه، بقوله إنّ «الحريري يقول إنّه أعطاني ورقة، وهو يكذب»، إذ سبق أن أعلن القصر الجمهوري أنّ الرئيس المكلف قدّم مسودة تشكيلة حكومية الى عون.
ونشر الأمين العام لتيار «المستقبل» احمد الحريري «تغريدتين» سابقتين لعون، يؤكد فيهما أنّ الحريري قدّم له تشكيلة حكومية كاملة، وأنّه في المقابل سلّمه طرحاً حكومياً متكاملاً». وعلّق الحريري قائلاً: «تويتر الرئيس يُكذّب الرئيس».
فيما أنّ من يستمع الى هذا الفيديو المُسرّب بدقة، يتبيّن له أنّ عون لم يقل لدياب إنّ «الحريري يقول إنّه أعطاني ورقة…»، بل يقول عون: «إنّ الحريري يقول إنّنا أعطيناه ورقة، وهو يكذب». وبالتالي، هناك فارق كبير بين عبارتي «أعطاني» و»أعطيناه»، بحسب مصادر قريبة من عون، إذ إنّ رئيس الجمهورية لم يقل، لا خلال حديثه مع دياب ولا في أي مرة أخرى، إنّ الحريري لم يقدّم له لائحة أسماء أو تشكيلة وزارية، بل على العكس، إنّ الرئيس مُعترض على ما قدّمه إليه الحريري، وأعربَ عن اعتراضه هذا للحريري في لقائهما الرابع عشر والأخير، حين توقف النقاش عند مُعضلة وزارتي العدل والداخلية، واتفق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على استكمال البحث والتشاور، خصوصاً على اسم وزير الداخلية بالتفاهم في ما بينهما، إلّا أنّ الحريري «ذهب ولم يعد». وهذا ما شرحه عون لدياب في الفيديو المُسرّب، بحسب المصادر نفسها.
وفي حين رأى البعض أنّ تسريب هذا الفيديو أو كلام عون مقصود للضغط على الحريري ولإحراجه ودَفعه الى الاعتذار، خصوصاً أنّه جاء بُعَيد كلام رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الأحد الماضي، والذي كان لاذعاً بحق الحريري الذي «لا نأتمِنه وحده على الاصلاح»، إلّا أنّ المصادر القريبة من عون تؤكد أنّ «الذي حصل خطأ تقني ولا خلفية سياسية له وتسريبه غير مقصود، فيما هناك استغلال لهذا الشريط لمهاجمة رئيس الجمهورية». وتوضح أنّ «هذا الفيديو صُوِّر «بالغلط»، وهو عبارة عن خطأ تقني فقط، ويجري استثمراه الآن سياسياً كالعادة. لكنه غير مقصود، بل خطأ قد حصل، بحيث جرى تصوير عون ودياب بالصورة والصوت وليس بالصورة فقط».
وتؤكد مصادر القصر الجمهوري أنّ هذا التسجيل سُرّب وحُرِّف واستُغِلّ بصيغة خاطئة، فالرئيس عون لم يقل لدياب إنّ «الحريري لم يُعطني»، بل قال إنّ «الحريري عم يقول عطَيناه لايحَة فِيا أسامي وهَيدا كذب، نحنا ما اعطَيناه». وترى، أنّه بين «أعطانا» و»أعطيناه» حصلت «اللعبة» واستثمروها سياسياً ويحاولون تحويلها قضيةً.
وتقول: «هناك تحريف، ومن يستمع جيداً الى التسجيل يتبيّن له ذلك بوضوح». وكانت دوائر القصر الجمهوري قد أرسلت الى محطة «الجديد» شريطاً للصيغة الحقيقية لكلام عون، إلّا أنّ هناك إصراراً على الاستمرار في نشر الخبر المُحرّف، ما يعني أنّ «وراء الأكمة ما وراءها»، وهناك تصميم على استغلال هذا الخطأ الذي حصل لكي يستثمروه سياسياً، بحسب المصادر نفسها.
وفي حين يُعمَد عادةً الى إطفاء «الميكروفون» خلال تصوير فيديو لرئيس الجمهورية في لقاءاته في القصر الجمهوري، حصل خطأ تقني هذه المرة، بحيث بقي ميكروفون كاميرا «الجديد» مفتوحاً، في وقتٍ يتحدث عون «على راحته» وبعفويته المعتادة، بحسب ما توضح مصادر القصر الجمهوري.
لكن ماذا بعد هذا التسريب في وقتٍ يَشهد مسار التأليف جموداً منذ ما قبل كلام عون هذا؟ من جهة القصر الجمهوري «هناك استغلال لهذا الحدث لإدخاله في السياسة وموضوع الحكومة خصوصاً، وهذا واضح من ردات الفعل التي حصلت، ومن التحريف في تفريغ كلام الرئيس، ما يؤكد أنّ هناك من يريد أن يُضخّم الموضوع ويعطيه حجماً غير حجمه السياسي. فالفيديو لم يُنشر عن قصد إطلاقاً، ولا هدف له وليس رسالة سياسية، بل هو خطأ تقني ولقد حصل، لا أكثر ولا أقل».
وفي حين ما زالت عملية التأليف عالقة عند النقطة نفسها، لجهة الخلاف بين عون والحريري على وزارتي العدل والداخلية، ولم يحصل أي تشاور بين عون والحريري قبل تسريب هذا الشريط المُصوّر، ولا جديد حكومياً، يعتبر القريبون من عون أنّه «إذا كان هناك نية سليمة لتأليف الحكومة، فلا شيء يؤخّرها ولا شيء أهم من تأليف حكومة. لكن إذا كانت هذه النية غائبة، نكون قد انتقلنا الى حالة أخرى». وهناك ترقُّب في القصر الجمهوري لطريقة استثمار تسريب كلام عون. ويقول القريبون من رئيس الجمهورية: «إذا كانوا يريدون استثمار ما حصل سلباً والتعاطي معه بخلفية التعطيل، سنكون أمام جمود حكومي، وإذا اعتبروا أنّ الذي حصل خطأ وليس مقصوداً سياسياً بل هو كلام عفوي قاله رئيس الجمهورية أمام رئيس حكومة تصريف الأعمال، فيُمكن تَخطّي هذا التسريب المُحرّف وإعادة التأليف الى مساره». لكنّ هؤلاء يرون أنّ «هناك نية واضحة لاستثمار هذا الموضوع، إن من خلال تحريف كلام الرئيس على رغم أنّه واضح بالصوت، أو من خلال التعاطي مع هذا الحدث».