IMLebanon

قراءة في مواقف جنبلاط الأخيرة

كتب ناصر زيدان في “الجمهورية”:

أثارت مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الأخيرة زوبعة واسعة من ردود الفعل في الأوساط السياسية والإعلامية والديبلوماسية. الثابت في سياق ما جرى حول هذا الموضوع، أن جنبلاط الذي سجل بعض الانكفاء السياسي خلال المرحلة الماضية، ما زال من أكثر الشخصيات التي تثير جدالا في لبنان، وهو يؤثر على الرأي العام الذي يتفاعل مع مواقفه بفاعلية، بصرف النظر عن حجم مؤيديه أو المعارضين له.

من المؤكد أن تهميش جنبلاط منذ ما يقارب 5 سنوات كان هدفا رئيسيا لقوى «الممانعة»، خصوصا حزب الله والتيار الوطني الحر، الذين استولوا على كل مفاصل السلطة منذ أن وصل العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، وهؤلاء لم يتركوا هامشا للتنوع والتعددية تحت طائلة تهديد الأمن الوطني بحجج واهية مختلفة، في ظل تخلي أصدقاء لبنان عنه.

ولم يعد لجنبلاط ولغيره أي تأثير على القرار السيادي، كما لم تكن آراؤهم مسموعة، بما في ذلك في المواضيع الاقتصادية والمالية وملف عجز الكهرباء، بحيث اشتهر جنبلاط بحديثه التويتري عن خطورة عداد الدّين العام قبل وقوع الانهيار. وقد شمل استهداف جنبلاط تطويقه بقانون انتخاب طائفي ومذهبي، من خلال استمالة حليفيه الرئيس سعد الحريري ود.سمير جعجع لصالح هذا القانون، وهو ما أدى الى قضم الامتداد الوطني لجنبلاط، ومحاصرته في البوتقة الطائفية التي لا يستسيغها بالأساس، رغم أنه يمثل ما يقارب 80% من الناخبين الدروز وفقا لنتائج آخر انتخابات جرت في شهر مايو 2018.

مواقف جنبلاط الأخيرة التي أدلى بها لمحطات تلفزيونية محلية ودولية، تركزت على حالة فقدان التوازن الوطني في لبنان، وعلى وقوع لبنان بالكامل تحت وصاية محور الممانعة، وهو ما أدى الى الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، والى ضياع الحد الأدنى من الاستقلالية لدى الدولة، وقد حمل لبنان ما لا يستطيع حمله لخدمة مشروع الممانعة، وآخرها اعتباره منصة لإطلاق الصواريخ دفاعا عن أنظمة هيمنت على المنطقة بقوة الفوضى، وقبل ذلك تم وضع كميات من الأمونيوم المتفجر في المرفأ ما أدى إلى وقوع الانفجار التدميري الرهيب، ومن خلال تهريب المواد الأساسية المدعومة الى سورية، التفافا على العقوبات المفروضة عليها يتم دفع الدولة إلى مزيد من الإفلاس.

جنبلاط دق ناقوس الخطر، واعتبر أن الطريقة التي اعتمدها حزب الله وحلفاؤه ألغت خصائص لبنان كونه بلد الحريات والعلم والتنوع والتلاقي، وهذا الموقف يتشابه مع خطاب البطريرك بشارة الراعي الذي دعا الى الحياد وإلى فك أسر الدولة، ويتلاقى مع رأي غالبية اللبنانيين أيضا، لكن يبدو أن ذات الكلام عندما يصدر عن جنبلاط يحمل أبعادا أخرى، وله تأثير مختلف عند قوى الممانعة الداخلية والخارجية، وما يؤكد ذلك، هو تجنيد قوى السلطة لكل وسائل المواجهة الإعلامية لديها للرد على جنبلاط، واتهامه بأنه يحاول تقديم عروض لتعزيز مكانته في مؤسسات الدولة، كما يتم كيل الاتهامات له واستحضار ملف عودة المهجّرين، الذي أنهى آثار الحرب وأجرى المصالحات وإعادة الإعمار والبنى التحتية التي كانت مدمرة بكلفة متواضعة لا تزيد على 1.6 مليار دولار، والمبلغ بمجمله لا يصل الى قيمة عجز الكهرباء لسنة واحدة، لكن جنبلاط أعلن جهارا أنه على استعداد للمثول أمام القضاء لإعطاء إفادته في أي موضوع كان قد شارك فيه، قياسا لحجم هذه المشاركة المتواضعة، برغم الكلام الذي يدور حول انحياز القضاء، حيث إن الرئيس أوقف التشكيلات القضائية لإبقاء هيمنة المقربين منه على العدلية.

جنبلاط غير متوتر كما قيل، لكنه قلق على مستقبل لبنان، ولديه عتب على الذين لم يحترموا تنظيم الخلاف من جهة، وعلى الأشقاء والأصدقاء الذين تركوا لبنان وحيدا في أخطر مرحلة من حياته. وهو غير خائف على مستقبله كما قيل أيضا، ولا ينافس للحصول على أي موقع، بدليل أنه يشهر سيف الانكفاء أمام الذين يمارسون فائض القوة، وهو يشجع الرئيس سعد الحريري على ذلك أيضا، والانكفاء أمام الخصم السياسي عامل قوة، وعناصر القوة التي يمتلكها جنبلاط مع الذين يوافقونه الرأي كبيرة جدا، رغم صعوبة الظروف الناتجة عن الأزمتين المالية والصحية.