كتبت جريدة الأخبار:
الطريق القانونية عُبّدت أمام البدء بالحصول على لقاحات كورونا. يوم الجمعة ستعفي الدولة الشركات المنتجة للقاح من أي مسؤولية عن المضاعفات التي يمكن أن تنشأ جرّاء الحصول على اللقاح. لجنة الصحة أفتت بإنشاء لجنة تتولى درس الاعتراضات والتعويضات المحتملة. بعد ذلك لا يبقى سوى البدء بتسلم الكميات المتفق عليها. الدفعة الأولى ستصل من فايزر في الأسبوع الأول من شباط، على أن تليها دفعات لاحقة من شركات أخرى، لكن الطريق ستكون طويلة للحصول على 12 مليون جرعة.
السبت الماضي عقدت لجنة الصحة النيابية اجتماعاً عن بعد للبحث في نص قانوني يجيز الحصول على لقاحات كورونا، والجمعة المقبل تنعقد الهيئة العامة لمجلس النواب لإقراره. القانون لا مثيل له في لبنان. لذلك، كانت الحاجة ماسة إلى الاستعانة بتجارب دول أخرى لديها تشريعات تجيز اختصار المهل المطلوبة لاعتماد أدوية أو لقاحات تُنتج حديثاً في الحالات الطارئة.
عادة، تحصل الشركات المعنية على موافقة مبدئية لتسويق منتجها. بعد ذلك تعمد منظمة الصحة العالمية إلى مراقبة فعالية اللقاح وتأثيره على الناس لفترة تصل إلى سنتين، قبل أن تعطي موافقتها النهائية على استعماله. قبل الموافقة النهائية تكون الشركات حذرة في تسويق منتجها، وتكون مسؤولة عن أي تبعات لتوزيع منتجها على الجمهور، وأبرزها احتمال أن يلجأ بعض المتضررين أو من واجهوا عوارض جانبية خطرة إلى القضاء طلباً للتعويض.
في حالات الطوارئ والأوبئة، كما هي الحال راهناً، يصبح اللجوء إلى الطرق التقليدية في ترخيص الأدوية واللقاحات مكلفاً على البشرية. كان المطلوب اختصار الطريق نحو ترخيص استعمال المنتجات التي لم يكتمل مسار ترخيصها الروتيني. لكن الشركات ليست هي المصرّة على السرعة، فهي لا يمكن أن تتحمل مسؤولية قرار كهذا، نظراً إلى تداعياته الكبيرة، ولا سيما المادية منها. لذلك، فإن الحكومات المستعجلة بدء حملات التلقيح هي التي يفترض أن تتحمل مسؤولية قراراتها. في أميركا أو أوروبا، هذا الأمر لا إشكال فيه. القوانين تسمح في حال قررت الحكومة البدء باستعمال اللقاح أن تتحمل هي المسؤولية المادية والمعنوية لا الشركات. في الأساس، معظم الدول هي التي دعمت جهود الشركات لإيجاد لقاحات لوباء كورونا، وكانت تدرك أنها يجب أن تعطيها إذناً طارئاً لتسويقه، وعلى مسؤوليتها، خاصة أن شركات التأمين ترفض التأمين لمن يحصلون على أدوية أو لقاحات غير حائزة ترخيصاً طويل الأمد.
في لبنان، كما كثير من البلدان، لم يعالج التشريع هذه الثغرة. إن حصل شخص على لقاح «فايزر»، على سبيل المثال، حتى لو رخّصته وزارة الصحة، فإن الشركة المصنّعة ستكون مسؤولة قانونياً عن أي عوارض جانبية أو أخطاء مرتكبة. وبما أن قرار البدء باستعمال اللقاح تتخذه كل دولة في إطار سيادتها، اشترطت «فايزر»، قبل تسليم اللقاح إلى لبنان، صدور تشريع يحميها قانونياً، أسوة بما يحصل في بلدان أخرى. الشركة لا تطلب هذا فحسب، بل تطلب تحديد القانون للجهة المسؤولة عن التعويضات في حال وجودها.
لجنة الصحة أنجزت اقتراح القانون، والرئيس نبيه بري سارع إلى الدعوة إلى جلسة تشريعية مخصصة حصراً لإقراره. يوم الجمعة، ستكون الآلية التشريعية قد اكتملت، يوقّع بعدها رئيس الجمهورية القانون، قبل أن ينشر في الجريدة الرسمية ويصبح نافذاً. القانون، بحسب رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي لا يتعلق بلقاح «فايزر» حصراً. اللقاحات الأخرى سلكت طريقها باتجاه الاستعمال في الكثير من الدول. ولذلك، يضع القانون المقترح إطاراً عاماً للتعامل مع الظروف المشابهة، أي حالات الطوارئ والأوبئة. وهو إضافة إلى حمايته الشركات المصنعة، يضمن حماية الأطقم الطبية التي ستصف هذه اللقاحات أو حتى الأدوية التي تستعمل في علاج كورونا، رغم أنها غير مخصصة له.
هل هذا يعني حرمان المتضررين من اللجوء إلى القضاء؟ بحسب اقتراح القانون، ستُنشأ لجنة خاصة مهمتها تلقي الاعتراضات والشكاوى. وهي مؤلفة من المدير العام لوزارة الصحة، طبيبين متخصصين في الأمراض الجرثومية، ممثّل عن نقابة الأطباء في بيروت وآخر عن نقابة الأطباء في الشمال. تدرس اللجنة الطلبات، فإما توافق على التعويض في حال تبين لها وجود مضاعفات ناتجة عن اللقاح (التعويضات تتكفل بها وزارة الصحة، إذ سيتم إنشاء صندوق لهذه الغاية يتم تمويله عبر الهبات). وفي حال رفضت اللجنة الطلب، يحق للمتضرر الطعن أمام مجلس شورى الدولة.
بمجرد إقرار القانون، سيكون لبنان قد أزال العقبات من أمام وصول اللقاح. الدفعة الأولى هي تلك التي اشترتها وزارة الصحة من «فايزر» ويبلغ عددها 250 ألف لقاح. ورغم أن كل شخص يحتاج إلى جرعتين من اللقاح، إلا أن عراجي يؤكد أنه سيتم تلقيح 250 ألف شخص سريعاً، على أن تكون الجرعة الثانية قد وصلت خلال الأسابيع الثلاثة التي تفصل بين الجرعتين. ما اشترته وزارة الصحة سيوزع مجاناً، لكن هذا لا يعني أن اللقاحات ستكون مجانية للجميع. أسوة بأي لقاح آخر، سيكون بإمكان الشركات الخاصة استيراد لقاح كورونا وبيعه. الحاجة مقدّرة بـ12 مليون جرعة. ولكن لا تقديرات رسمية عن المدة التي تحتاج إليها عملية توزيعها على كل المقيمين في لبنان.