كتبت غادة حلاوي في صحيفة نداء الوطن:
ليس جديداً الحديث عن رغبة جامحة لدى الجميع باعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، باستثنائه هو شخصياً الذي يرفض ولو مناقشة الفكرة من أساسها. رغم كل النصائح التي تنهال عليه يومياً فالرجل لا يزال متمسكاً بتكليفه ولا يريد ان يغادره مع علمه باستحالة التوافق بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون. وبين عون والحريري لن يقبل “حزب الله” حكماً بكسر عون لكنه يبدو متفهماً الرئيس المكلف ويقدر دقة الظروف او الضغوطات التي تمارس عليه بما يقضي على اية امكانية لتقريب وجهات النظر بينه وبين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل او بينه وبين عون.
يعتقد “حزب الله” ان “الحريري الخائف من وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو سيتغير بعد ذهاب الادارة الحالية ويصبح اكثر ايجابية وليونة بموضوع الحكومة، ذلك أن الرئيس المكلف لا يزال مرعوباً من العقوبات الاميركية التي قد تقع عليه وهو على ما يبدو تلقى من الاميركيين وفي مقدمهم ديفيد شنكر والفريق المسؤول عن الملف اللبناني في الخارجية تحذيرات قاسية وتهديدات بالعقوبات ان هو تعاون او تواصل مع باسيل”.
كما طلب اليه المماطلة في الحكومة لتعقيد الأوضاع على رئيس الجمهورية وإظهاره بمظهر المعطل كي ينتفض عليه الناس بسبب علاقته بـ”حزب الله”. مسألة تشكيل الحكومة لم تخرج بعد من اطار الصراع المفتوح بين ايران والرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يمارس سياسة تصفية الحسابات الجنونية مع كل الاطراف من حوله. وكيف للحريري في ظل استمرار ترامب وادارته ان يجرؤ على اعلان حكومة فيها حكماً ممثلون عن “حزب الله” ولذلك يؤكد المعنيون أن “لا مؤشرات تحرك باتجاه التشكيل قبل نهاية الشهر الحالي. اي بعد تسلم الادارة الاميركية الجديدة برئاسة جو بايدن. وهذا لا يعني ان بايدن سيباشر اولى مهامه من لبنان وانما المقصود ازاحة ذاك الضغط المعنوي لادارة ترامب وعودة البحث الحكومي الى مجراه الطبيعي أقله من قبل الرئيس المكلف. واقع يحاصر الرئيس المكلف ويبدو “حزب الله” متفهماً له ويتمنى على حلفائه تفهمه واعداً ان يكون الحريري مرناً اكثر في التعاطي في الآتي من الايام.
لكن الذهاب بعيداً في التفاؤل قد لا يغدو منطقياً. فالذي تمظهر خلال هذا الاسبوع من تباعد بين رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف يشي باستحالة ان تجمعهما طاولة واحدة او ان يستطيع اي راع داخلي ولو كان “حزب الله” ان يمسح آثار ما نشهده من تراشق اعلامي. مونة “حزب الله” على عون قد لا تكون بالسهولة التي نتخيلها. “من الاساس لو ان الحريري احترم موقع رئيس الجمهورية وتفاهم معه لما كان تحفظ على وصوله لكن اولى شرارات الخلاف انطلقت من يوم تناهى الى مسامع رئيس الجمهورية قول الحريري انه سيتعب قلب عون قبل ان يشكل حكومته. من يعرف عون عن قرب يقول لو ان الحريري طرح معادلات مقبولة لكانت الحكومة شكلت اذ لا مصلحة لرئيس ببقاء عهده من دون حكومة طوال كل تلك الفترة”.
واذا كان الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله تمنى لو يقدّره الله على فعل شيء ما على مستوى الحلحلة الحكومية فالاوضاع الراهنة لا تشي بامكانية نجاح اية مساعٍ، خصوصاً وان “حزب الله” سبق له وان تدخل مرات عدة واصطدمت جهوده بجدار الخلافات السميك بين كل المكونات المعنية بالحكومة. لم تعد المسألة بالسهولة التي يتصورها “حزب الله” على ما يبدو. رغم انه سيستفيد من مناخات اقليمية معينة ستسود مع رحيل ترامب، ترخي بظلالها على الوضع الحكومي، لكن ثمة من يقول ضمن جو “8 آذار” ان “الازمة الداخلية باتت أبعد من حكومة لان وجود الحريري لم يعد يلقى القبول الحسن كرئيس مكلف وان “حزب الله” يدرك حجم الازمة ويبدو غير قادر على تحريك الجمود الذي يعتريها وهو يحاول ان يكون على مسافة واحدة بين عون والحريري لكن لا افق يشي ان الامور ستعود الى طبيعتها بين الرجلين عما قريب”.
مع تسلم بايدن قد يرخي المعطى النفسي الجديد بظلاله على الساحة اللبنانية لكن هذا لن يلغي حقيقة ان عون لم يعد يريد الحريري رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة والازمة صارت أكبر من المحاولات اذ أضحت ازمة خلاف رؤيوية عميقة بين الطرفين.