Site icon IMLebanon

صيدا بين عاصفتين… “روز” و”كورونا”

كتب محمد دهشة في صحيفة نداء الوطن:

يأوي الناس الى حجرهم المنزلي قسراً اليوم، مع دخول البلاد حظر التجوّل العام والإقفال التامّ لمدّة 11 يوماً كاملاً. في الداخل خلف الجدران المغلقة والأبواب المقفلة تشرّع النوافذ ألف حكاية بين الجوع والوجع، بين الفقر والخشية من المرض، وفي الخارج تحاصرهم الأزمات المتتالية، في ظلّ ضائقة معيشية واقتصادية غير مسبوقة، لم تسمح لهم حتى بالتقاط أنفاسهم وهم ينتقلون من واحدة الى أخرى عنوة، من فقدان الأدوية في الصيدليات الى التهافت على التموين من السوبرماركت، وصولاً الى الغاز والبنزين المكرّر المعجّل من دون مبرّر.

اليوم، تطفئ صيدا محرّكات دورة الحياة الطبيعية وتشغّل بالمقابل إنذار الطوارئ، بين عاصفتين: “روز” طبيعية من الأمطار والعواصف والرياح وصلت وتستمرّ أياماً، وصحّية وصلت منذ شباط المنصرم بعدوى سريعة الإنتشار وفيروس عدوّ خفيّ “كورونا”، وبينهما استنفد أبناء المدينة كلّ طاقاتهم للمواجهة بامكانيات ضعيفة وأنين قويّ، بعد الحجز على أموالهم في المصارف والبحث عن قوت اليوم وعن سرير شاغر أو عبوة أوكسجين في المستشفيات وأقسامها وطوارئها.

“هذا هو الخيار الوحيد المتاح حالياً بعدما وقعنا في المحظور”، يقول رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي لـ”نداء الوطن”، ويضيف: “لا بدّ من الإلتزام بالرغم من الجوع والوجع لأنّه بداية الخلاص بينما تصل اللقاحات، أدرك أنّها مرحلة عصيبة، ونأمل بروح المسؤولية تجاوز هذه العاصفة الهوجاء التي أبكت الكثير من اللبنانيين وأفقدتهم أحبّتهم”، معتبراً أنّ “ازدياد أعداد الإصابات يعود الى التفشّي المجتمعي مع المخالطة، والعائلي ومردّه الى اصابة احد افراد العائلة وعدم مراعاة الحجر المنزلي الصحيح، فتنتقل العدوى الى بقية الأفراد، ناهيك عن تفلّت البعض من الإجراءات الوقائية والتباعد الإجتماعي وخصوصاً خلال الفترة الأخيرة حتى وصلنا الى النموذج اللبناني”، قائلاً: “إنّ تسجيلات المصابين بفيروس “كورونا” وهم يتحدّثون عن الوجع والألم والعزلة مؤثّرة وتستدعي الإنتباه والإلتزام أكثر”، داعياً “الله عزّ وجلّ أن يرفع الوباء والبلاء والغلاء عن المدينة وكلّ مناطق لبنان لتعود الحياة الى طبيعتها”.

وعشية الحظر، وخلافاً للصمت المتوقّع أن يخيم اليوم على المدينة ومرافقها كافة، تسارعت وتيرة الحركة، وبدا أبناؤها في سباق محموم مع الزمن لاستكمال التزوّد بالمواد الغذائية والتموينية الضرورية، فتكّرر مشهد الإزدحام أمام الأفران على اختلافها، وعمد بعضها الى بيع ربطة خبز واحدة لكلّ زبون، ثمّ في السوبرماركت ومحلات بيع اللحوم والدجاج والبنّ والنقولات والسكاكر، وصولاً الى محطّات الوقود ومراكز تعبئة الغاز في منطقة سينيق، التي تهافت اليها مئات المواطنين لتعبئة قوارير منازلهم، بالرغم من تأكيد أصحابها أنّ لا أزمة غاز تلوح في الأفق، انتظر المواطنون دورهم في صفوف بعدما اضطرّت إداراتها الى إقفال البوابات الخارجية امام السيارات والآليات، واقتصر الدخول على الأشخاص، ما سبّب زحمة خارجاً وحمل المواطنون القوارير على الأكتاف، وبعضهم أكثر من واحدة لتعبئتها.

وأكّد صاحب مركز موصلي لتعبئة الغاز محمد موصلي أنّ مادة الغاز متوفرة ولا أزمة على الإطلاق، وسبب الزحمة هو تهافت المواطنين للحصول على الغاز نظراً للإقفال العام، مشيراً الى أنّ “مراكز الغاز ستفتح أبوابها طيلة فترة الإقفال، من الخامسة فجراً وحتى الثالثة ظهراً”، داعياً المواطنين الى “عدم القلق وخلق أجواء توحي بوجود أزمة”.

وفيما وصل سعر تعبئة قارورة الغاز زنة 10 كلغ من المركز الى 23,500 ليرة لبنانية، لتصل الى المستهلك في نقاط البيع المتفرّقة بأكثر من ذلك، تراوحت آراء الزبائن بين من قال إنّه يريد تأمين الغاز لمنزله قبل بدء حظر التجوّل والإقفال تحسّباً، وبين من قال إنّه يجهّز منزله تحسّباً للعاصفة القادمة في ظلّ ما يحكى عن قساوتها، بينما شكّل تزايد الطلب على الغاز بحدّ ذاته حافزاً وسبباً لإقبال آخرين على التزوّد بالمادة تخوّفاً من أن يؤدّي هذا التهافت الى نفادها!