كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
أبدت مصادر مقرّبة من رؤساء الحكومة السابقين ارتياحها لمواقف القيادات الروحية والسياسية، وتحديداً المسيحية منها، بعدم الانجرار للسجال المترتِّب على اتهام رئيس الجمهورية ميشال عون للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري بـ«الكذب»، وانضمام وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل إلى الحملة المنظّمة التي قادها فريقهما السياسي، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن تواصلهم معهم تكثّف في اليومين الأخيرين في أعقاب القرار الذي اتخذه الرؤساء بالإجماع بتجاهل ما صدر عنهما، لقطع الطريق على مَن يحاول إغراق البلد في نزاعات مذهبية وطائفية.
ولفتت المصادر المقرّبة إلى أن رؤساء الحكومة السابقين تمكّنوا من تعطيل المحاولات الرامية إلى تطييف تشكيل الحكومة، وأطبقوا الحصار السياسي على مَن يراهن بأن لديه القدرة على استحضار حالة من الاصطفاف المذهبي؛ باعتبار أنه لم يعد له سوى هذا السلاح القاتل، لعله يعاود تعويم وضعه السياسي في الشارع المسيحي.
وكشفت المصادر أن رؤساء الحكومة أجروا مروحة من الاتصالات، لتطويق ما كان يراهن عليه باسيل، بدعم من عون، الذي سخّر كل ما لديه من سطوة داخل إدارات ومؤسسات الدولة على أمل أن يبقى اسمه على لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، وقالت إنهما لم يجدا مَن يدافع عنهما، رغبةً منهم في الحفاظ على خطوط التواصل قائمة، لأنه لا مصلحة لديهم في إعادة إحياء خطوط التماس السياسية، خصوصاً أن الجهود يجب أن تتضافر لانتشاله من قعر الهاوية.
ونقلت المصادر عن الحريري قوله أمام النواب الأعضاء في كتلته النيابية إن مشكلة عون ليست معه، لأن تكليفه بتشكيل الحكومة ليس منّة منه، وأن صلاحيته تقتصر على إجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية من يؤلّف الحكومة، وبالتالي فهو مُلزم بنتائجها، ولا يستطيع تجاوزها أو الالتفاف عليها.
وقالت إن الأكثرية النيابية هي التي سمّت الحريري لتأليف الحكومة، وأنه لا دخل لعون في تسميته، مع أنه لم يكن يرغب في تكليفه، ورأت أن تلويح مَن هم في الفريق الاستشاري لرئيس الجمهورية بنزع التكليف عنه، ما هو إلا هرطقة سياسية غير قابلة للتنفيذ، وبالتالي فإن حملات التهويل والابتزاز التي تستهدفه سترتد على هذا الفريق ومَن يقف خلفه، وسترفع من منسوب تمسكه بموقفه، وصولاً إلى تشدّده بعدم الاعتذار.
وفي سياق الاتصالات، علمت «الشرق الأوسط» أن الرئيس فؤاد السنيورة تواصل مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وبطريرك الكاثوليك جوزف عبسي، ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، ونائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان، وأن جميع الذين اتصلوا به أجمعوا على عدم الانجرار وراء المحاولات الهادفة إلى تطييف مسألة تشكيل الحكومة، التي ستؤدي إلى استنزاف ما تبقى من المؤسسات الدستورية في الوقت الذي يحرص الجميع على إعادة انتظام العمل فيها.
كما أجمع الذين تواصل معهم السنيورة على وأد أي محاولة يمكن أن تأخذ البلد إلى المجهول أو تجرّه إلى فتنة مذهبية، وهذا ما ظهر جلياً من خلال إحجام القيادات الروحية والسياسية على عدم دخولهم على خط التجاذبات التي من شأنها أن تقفل الباب في وجه توفير الأجواء لتأمين ولادة طبيعية للحكومة.
وتردد في هذا المجال أن بعض القيادات فوجِئَت بالذرائع التي افتعلها عون باتهامه الحريري بأنه يريد مصادرة التمثيل المسيحي، وتبيّن على سبيل المثال لا الحصر أن ترشيح القاضي زياد أبو حيدر لوزارة الداخلية يحظى بتأييد المطران عودة، ويشهد له مَن يعرفه بالكفاءة ونزاهة الكفّ، وليس محسوباً على الرئيس المكلّف.
كما أن البطريرك الراعي الذي يدرس توسيع مروحة الاتصالات التي كانت اقتصرت على عون والحريري باتجاه عدد من القيادات السياسية لتأمين الأجواء الضاغطة لإعادة إحياء مشاورات التأليف، وسحب كل ما يعيق معاودتها من التداول، كان أكد أنه اطلع من عون والحريري على أسماء الوزراء الذين كان رشَّحَهم الأخير لدخول الحكومة.
وعلى صعيد آخر، فإن المصادر المقربة من رؤساء الحكومة السابقين فوجئت بما شيّعته إحدى محطات التلفزة بأن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، والوزير السابق غازي العريضي شاركا في اجتماعهم الأخير، وقالت إن الصورة الجامعة لهم، التي نشرتها مساء أول من أمس تعود إلى عشاء أقامه الرئيس تمام سلام منذ نحو أسبوعين، أي قبل ترؤس عون للمجلس الأعلى للدفاع، الذي استبقه بالهجوم على الحريري من خلال «الفيديو» الذي سُرّب أثناء اجتماع عون برئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
وأكدت أن هذا اللقاء استبق أيضاً المؤتمر الصحافي الذي عقده باسيل وأعقبه اجتماع رؤساء الحكومة في دارة الرئيس المكلّف، ودعت إلى التدقيق في مثل هذه المعلومات قبل نشرها.
وعليه، فلن يجد عون وباسيل مَن يتضامن معهما في هجومهما على الحريري سوى «حزب الله»، وإن كان فضّل الصمت والتلطي خلف موقفهما لتفادي ما يمكن أن يترتّب على تظهير موقفه إلى العلن من تداعيات تستحضر حالة من الاحتقان بين الشيعة والسنّة، بخلاف حرص الحريري على أن تبقى علاقته به تحت سقف «ربط النزاع».