مع دخول لبنان أمس، عشرية الإقفال التام في محاولةٍ للإبقاء على آخِر المَكابح في المعركة التي يخوضها «باللحم الحي» مع فيروس «كورونا»، كانت السلطات المعنية أمام اختبارٍ لمدى قدرتها على فرْض الالتزام بالإجراءات المشدّدة المعتمَدة وأبرزها منْع التجوّل على مدار الساعة، باعتبار أن ذلك سيؤشر لِما إذا كنت بيروت ستلتقط الفرصة الأخيرة للإفلات من أسابيع دراماتيكية (قبل وصول اللقاح) يعزّز من وطأتها انكشافُ البلاد على فقدانٍ كاملٍ للمناعة السياسية في ظلّ تفاقُم أزمة تشكيل الحكومة الجديدة وتَحوُّلها صراعاً مفتوحاً بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وبين الرئيس المكلف سعد الحريري مرشّحاً للتحول «جاذبة صواعق» دستورية – سياسية.
وفيما كان اليوم الأول من حال الطوارئ الصحية يُظْهِر نسبةَ التزام عالية مع بعض الخروق من «الخاصرة الرخوة» التي شكّلتها المنصة الإلكترونية التي خُصصت لإعطاء أذون محددة زمنياً للمواطنين الراغبين في تلبية بعض الخدمات من قطاعات مستثناة من الإقفال (مثل الأفران والصيدليات ومراكز طبية وغيرها)، لم تسجّل الجبهة الحكومية «المشتعلة»، ما يشي بإمكان تدارُك خلْط الأوراق العاصف الذي حصل في مسار التأليف.
وإذ باتت أوساط واسعة الاطلاع تتعاطى مع نقْل فريق عون المنازلة مع الحريري إلى مرحلة اللعب على المكشوف في رسالة غير مشفّرة بأن مفاعيل الموافقة الاضطرارية على تكليف زعيم «المستقبل» انتهتْ، فإن من غير الواضح المدى الذي ستأخذه هذه «المُطاحنة» بعدما أعطى الرئيس المكلف إشاراتٍ إلى أنه ماضٍ في إرساء «توازن سلبي» على قاعدة الصمود بوجه محاولة دفْعه للاعتذار وتفادي الانجرار إلى حقل الألغام الطائفي.
وفي حين يتمسّك الحريري بإصراره على حكومة من 18 وزيراً من الاختصاصيين، فإنّ الأبعاد فوق العادية التي اكتسبتها اندفاعة عون وفريقه على تكليف الحريري والمخاوف من أن تكون في سياق نزعةٍ لتعميق جراح دستور الطائف وتوازناته بدا أنها دفعت الرئيس المكلف لمقاربة هذا الأمر من زاوية أبعد من مجرد الاعتراض على المساس بموقع رئاسة الحكومة وصولاً لمحاولة توفير مظلّة دفاع عن «جمهورية الطائف» التي وُلدت من رحم حرب الـ 15 عاماً.
وفي هذا الإطار، تم التعاطي مع اللقاء الذي عُقد الأربعاء، في دارة الرئيس السابق للحكومة تمام سلام وحضره الرئيسان نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة مع النائب السابق وليد جنبلاط، وسط معلومات عن مساعٍ ستُبذل لقيام ما قد يكون أقل من جبهة وأكثر من إطار يتمسك أولاً بالطائف وبوجوب تأليف حكومة بمواصفات المبادرة الفرنسية.
ومع اعتبار الأوساط نفسها أن الحركة الخارجية للحريري التي بدأت من أنقرة قبل أيام وحملتْه مجدداً إلى الإمارات العربية المتحدة، والمعلومات عن محطات أخرى مرتقبة (تردّد أن بينها مصر)، هي في سياق إشارةِ «ردّ بالعمل» على تفخيخ مسار التأليف الذي لن ينسحب منه، لم يكن ممكناً معرفة حقيقة موقف «حزب الله» رغم الانطباع بأن الحزب يرى من المفيد ترْك الواقع يسير على حبْل مشدود ريثما يتضح الخيْط الأبيض من الأسود في المنحى الذي سيسلكه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تجاه إيران ومشروعها في المنطقة.
وسط هذا الضجيج، استوقف الأوساط، حرص وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في معرض تقديمه جردة بأبرز ما حققته الولايات المتحدة خلال وجوده على رأس الوزارة، على تخصيص لبنان بحيّز مهمّ وصولاً إلى نشْره عبر حسابه على «تويتر»، صورة لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تحمل عبارة «معاقَب».
وعلّق بومبيو قائلاً: «ليس مجرد كلام، فنحن قمنا بفرض عقوبات (في نوفمبر الماضي) على وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل لتورطه بممارسات فاسدة». وأعاد نشر رابط لقرار العقوبات.
وقال بومبيو إن إدارة ترامب وقفت دائماً إلى جانب الشعب اللبناني في رفضه «حزب الله»، واصفاً إياه بـ«دمية إيران الإرهابية».
وقد أرفق تغريدته بتصريح سابق، كان أكد فيه استمرار الضغوط على الحزب، ومساعدة اللبنانيين في تشكيل حكومة ناجحة تقوم بالإصلاحات ولا تكون تابعة لطهران.
في موازاة ذلك، طبع اليوم الأول من سريان الطوارئ الصحية إعلان دخول وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن المستشفى بعدما أصيب بالفيروس، وقد نُشرت صورة له أمس من على سرير المرض وسط تأكيدات بأن وضعه مستقر