كتبت ماريانا معضاد في “الجمهورية”:
اجتاح دواء “جديد” للسرطان وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في الأعوام الفائتة، وقيل عنه دواء ثورجيا سيحدث كل الفرق لمرضى جميع أنواع السرطان من كل الأعمار، وكأنه “الدواء المخلِّص والمنتَظَر”. فماذا يميّزه عن غيره من الأدوية؟
لا شيء. ما من جديد في هذا الدواء الجديد – القديم، إلّا أنه أفضل من الأدوية السابقة، وهو المنهج الطبيعي لكل التقنيات والعلاجات الطبية، وهذا ما يُعرف بالتطور الطبي. في حديث لـ”الجمهورية”، تناول د. جوزيف قطان، بروفيسور في أمراض الدم والأورام ورئيس قسم أمراض الدم والأورام في مستشفى أوتيل ديو الجامعي، التقدّم الطبي المُحرز في مجال علاج السرطان، ومسألة التضخيم واللغط الإعلامي لأدوية وعلاجات مرض السرطان بالتحديد، والمفاهيم الخاطئة التي توقِع المريض أحياناً في وهم وأمل مبالغ به، وتفقده ثقته في الطب.
الطب إلى الأمام… خطوة تلو الأخرى
خطوة تلو الأخرى، يشهد مجال علاج مرض السرطان تطوراً ملحوظاً. فيخبرنا د. قطان بإيجاز عن المراحل التي مرّ بها الطب الحديث في مجال علاج السرطان: “مع تقدّم العلم يتغيّر فهمنا لأسباب الإصابة بمرض السرطان، ومعه الأدوية والعلاجات: من العلاج الإشعاعي، إلى العلاج الكيميائي – سمّ يقتل الخلايا التي تتكاثر من دون ذكاء أو تفرقة بين الخلايا السرطانية وغيرها – الذي اعتمد على نظرية التكاثر، إلى نظرية تقوية جرعة العلاج لتحقيق فعالية أكبر، مروراً بزرع نخاع العظم، إلى العلاج المُوَجَّه، وإلى العلاج المحفّز للمناعة، وصولاً إلى العلاج الشخصاني”.
ويتابع: “في الواقع، بدأنا نعتمد العلاج الموجَّه أو target therapy منذ حوالى 20 عاماً، وهو علاج يستهدف نقطة محددة تكون مسؤولة جزئياً أو كلياً عن المشكلة، إذا كانت أنزيماً أو بروتيناً أو مكوناً داخل الخلايا. ومنذ العام 2010 حتى اليوم، ظهر مفهوم العلاج الشخصاني، أي personalized or precision medicine، وهو علاج مخصص لكل نوع خلية، لكل نوع DNA يسبب مشكلة داخل الخلايا. في السابق، كان العلاج يعتمد على موقع الورم، أمّا اليوم فالأهمية الأكبر تعود لنوع الخلية، أي جزء الـDNA الذي انكسر أو أحدث طفرة وأدى إلى تحوّل الخلايا الحميدة إلى خلايا سرطانية”.
ويشير د. جوزيف إلى أنّ “أحدث أدوية السرطان تعالج إذاً المشكلة في الجُزَيء المسؤول عن الطفرة، ويشفي المرض في حال كان هذا الجزَيء هو المسؤول الأساسي عن انتشار المرض. أما إذ قد كان هذا الجزيء جزء صغير من المشكلة، فيخفف الدواء من حجم الورم ويعطي المزيد من الوقت للمريض والطبيب”.
نتائج تضخيم الإنجازات الطبية
إنّ الأدوية الحديثة المتطورة الموجهة والمُشخصَنة لها أهمية كبرى في تحسين نتائج علاج مرضى السرطان، ولكنها، وبحسب البروفيسور قطان، «لا تعني أننا قضينا على مرض السرطان بالكامل. نحن نتقدم ونُحَسِّن العلاج ونرفع نسبة الشفاء ومتَوقّع العمر ونوعية العيش للمرضى، ولكن خطوة خطوة». ويشدد قطان: “ما من حل سحري ومفاجئ. دواء فيتراكفي vitrakvi مثلاً يُجدي في 75 % من الحالات، ولفترة طويلة في معظم الأحيان، ولكن هذا العلاج يستهدف طفرة نادرة الوجود، فهي موجودة في 0.5 % إلى 5 % من الحالات، بحسب الورم. وهذا الدواء تحديداً لاقى الكثير من الترويج والتضخيم في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فيما ثمة أدوية قبله وبعده بنفس الأهمية”.
الأمل الخاطئ يُحبط المريض والطاقم الطبي
“بتِتوالَد من الغلط أغلاط”، قال د. جوزيف. «أحياناً، يُحدِثُ خبر مُضخَّم أو حتى خاطئ الكثير من البلبلة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك، تتناوله وسائل الإعلام – وهي من المفترض أن تكون مصادر موثوقة – الأمر الذي يضع المريض، والطبيب حتى، في حيرة من أمرهما، فيصبح للمريض أمل مبالَغ فيه، ويخيّب الواقع أمله، ما قد يؤدي إلى فقدانه الثقة في الطبيب والطب، أو حتى في حقيقة أنّ السرطان مرض خطير حقيقي. فمَن منّا لم يسمع أنه مجرد «كذبة وتجارة لشركات الأدوية العالمية، والدوا موجود من زمان؟». كذلك، هذه الأخبار المتكررة عن الدواء السحري أو عن نظريات التآمر تُفقِد الأخصائيين الطبيّين حافزَهم للعمل على تحسين حالة المريض وإيجاد علاجات أفضل”.
في الختام، قال د. جوزيف: «على المريض أن يَعي هذه الأمور، وألّا ينجَرّ وراء كل خبر يسمعه ممّن حوله، من أشخاص ومنصات غير موثوقة».