كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
منذ تكليفه تشكيل الحكومة قبل نحو ثلاثة أشهر، يبدو الرئيس سعد الحريري مطمئناً الى مسار الأمور على صعيده الشخصي وهو الذي يعلم تماما ضريبة الخروج من الحكم على أثر تجربته الشخصية كما تجربة والده الراحل.
ومرد اطمئنان الرجل يعود الى كون الوقت يلعب لصالحه وسط أزمة حكومية يعمقها فقدان الثقة بين الزعيم «المستقبلي» والعهد بطرفيه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
ثمة من يتهم الحريري بأنه كان على علم بما ستؤول إليه الأمور من سلبية منذ تكليفه، لكنه لم يرد سوى وضع هذا التكليف برئاسة الحكومة في جيبه وهاجسه أن يعمد الخصم الى محاربته كما حصل لوالده ورَبعه حين خرج من الحكم العام 1998. وبذلك يحتمي الرئيس المكلف بحصانته الدستورية والأهم السياسية، ويستطيع أن يستغل عامل الوقت لصالحه والذي يلعب ضد رئيس الجمهورية الذي بدأ العد العكسي لنهاية عهده.
لكن الأمر هنا بالنسبة الى رئيس الجمهورية قد لا يكون مشابها تماما لرؤية «ولي عهده» الذي لا يمانع بقاء الامور على منوالها مع حكومة يحظى فيها بحصة الأسد، وقد يكون سعيداً في عدم إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في وقتها في ظل تراجع مضطرد في شعبية تياره والعهد.
لذا فإن الحكومة الحالية بالنسبة الى باسيل، ستستمر طويلا في تصريف أعمالها في حال عدم انتزاع الثلث الضامن الصافي للعهد في الحكومة المقبلة من دون الاكتراث الى ما اذا كان الحلفاء وبينهم «حزب الله» سيستأثرون بثلثي مقاعد الحكومة المقبلة، فمعركة البلد والفراغ الرئاسي الممكن غدا تتطلب الولاء المطلق لثلث الحكومة المطلوب.
“إيران من ستُبادر نحو أميركا”
يوجّه العهد انتقادات للحريري لشروعه في جولة خارجية بينما تحتاج البلاد تواجده في كل لحظة في لبنان وسط كل الأزمات المحيقة به. لكن يبدو أن جولات الحريري الذي عاد مؤخرا من تركيا وغادر الى أبو ظبي لا تنفصل عن الشأن اللبناني المرتبط بدوره في الإقليم وفي العالم.
من الواضح أن لا خرق جوهريا في مشاكل العالم أجمع قبل تربع الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن على كرسي رئاسته. وبعد 20 من الشهر الحالي سيتنفس العالم الصعداء، لكن متابعين من بيئة الحريري للمرحلة القريبة المقبلة يتقاطعون مع ما خرج به الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله حول عبثية انتظار تغييرات فور وصول بايدن. ويزيد هؤلاء بأنه لا يمكن الاستناد الى معطيات إيجابية مقبلة على الصعيد الحكومي. ويرى «مستقبليون» أن العهد يعقد رهانات على ضعف موقف الحريري المقبل حينها بعد قيام حوار أميركي إيراني يقوى به العهد، حليف «حزب الله»، وبالتالي يمكن تحقيق هدف إبعاد الحريري من المعادلة. ويردون إن الرئيس المكلف لا يراهن على بايدن الذي سيلتفت الى تحدياته الداخلية كمواجهة «الترامبية» وكارثة «كورونا» قبل حتى أن يبدأ التفكير في مشاكل الخارج ناهيك عن مدى لحظ أولوية للبنان فيها. لا بل أن وجهة النظر هذه ترى عكس السائد أن طهران هي من ستبادر نحو واشنطن لتحميسها على الحوار وترييحها في بعض الملفات ومن ضمنها لبنان بينما تنتظر المنطقة أكثر من استحقاق انتخابي في إيران وما اذا كان الرئيس المقبل سيكون قريبا من المتشددين والحرس الثوري أم على شاكلة الرئيس الحالي حسن روحاني وبالتالي ما اذا كانت ايران ستنحو الى الحوار أو التشدد أكثر، وفي سوريا وسط سؤال حول ما ستكون عليه الرؤية الروسية للمنطقة، إضافة الى ما اذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو سيعود على رأس حكومته ووضع اليمين المتطرف لديه، وكل ذلك بعد أشهر من الآن.
ويرى هؤلاء أن الحريري يريد استغلال فترة تقطيع الوقت الحالي لتحقيق خرق في الجمود الحالي حتى تلك الاستحقاقات. وفي هذا الوقت يتكتم الرئيس المكلف حول أماكن جولاته، لكن الأكيد انها لا تنفصل عن تطور المصالحة الخليجية الأخير.
تقمُّص دور الأب
يحلو لمؤيدي الحريري تسمية ما حصل في قمة العلا بـ«المصالحة العربية» وليس فقط الخليجية. وهو، الذي لا يفكر للحظة واحدة في الاعتذار عن تكليفه ويحتاج حاجة ماسة الى الظهر الخليجي، بدأ منذ قليل بالتصرف وكأنه استهل عهده فعلا في رئاسة الحكومة «لعدم إضاعة المزيد من الوقت» مستهلاً خطته للمرحلة المقبلة، وبنى على ذلك في حراك عربي متعدد الاتجاهات ليعزز رأب الصدع ولينقل الرسائل والرسائل المتبادلة على الخط الخليجي التركي بعد التقارب السعودي والاماراتي مع قطر.
هو يتقمص دور الأب رفيق الحريري هنا وإن لم يكن في مرحلة الأخير الانقسام الخليجي الداخلي والعربي التركي على شاكلته الحالية. وانطلاقا من هنا يسعى لفتح كوّة في جدار الأزمة الحكومية اضافة الى تأمين مساعدات ودعم تحتاجه الحكومة عند تشكيلها.
يشير من هم في بيئة الرئيس المكلف الى انه بات حاصلا على الغطاء الخليجي في مواجهته الداخلية، وينفون ما يُحكى عن «قطع» في علاقته مع السعودية. ومن دون استفاضة في الكلام، يقدمون مثالاً عبر «جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية» التي تتحصل على مساعدات لأهل بيروت جاءت غالبيتها وحتى الأمس القريب، من السفارة الإماراتية ومن «مركز الملك سلمان»، وهي مساعدات وإن كانت لا تصل الى الحريري مباشرة فإنها تمثل دعما غير مباشر له يقوّيه في شارعه وفي مناطقه، وكان في الامكان إيقافها لو أرادت هاتين الجهتين ذلك.
ويستدرك من يؤكد عدم سلبية العلاقة مع السعودية بالتشديد على ان العلاقة مع الرياض ليست ممتازة بالضرورة، بل انها بالتأكيد غير مقطوعة، وثمة رضى خليجي على حراك الحريري وتمسكه بشروطه التي وضعها وعدم تنازله عن أي من مطالبه لتشكيل الحكومة التي ينتظرها الخليج أيضاً.