كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
تنشط القوى السياسية والحزبية المعارضة، في الوقت الضائع محلياً وخارجياً، في سبيل إرساء ديناميات جديدة لمقاربة الوضع اللبناني.
من الواضح أن ثمة مسارين لا يلتقيان يحكمان أداء تلك القوى، بين مصر على إستقالة رئيس الجمهورية أو دفعه الى الإستقالة، وبين رافض لمجمل الفكرة في حال لم تسبقها إنتخابات نيابية يراها مدخلا لكسر التوازنات السياسية والنيابية الراهنة:
أ- يقود فريق سياسي، يتقدمه رؤساء الحكومات السابقون، مسعى واضحا ومعلنا في مواجهة رئاسة الجمهورية. يعتقد القيمون على هذا الفريق أن الحل الأمثل يتمثّل في إسقاط رئيس الجمهورية أو دفعه الى الإستقالة. يرتكز هؤلاء على اللازمة المعروفة التي تتمحور حول رغبة الرئيس بتكريس الإنقلاب على إتفاق الطائف تمهيدا للإطاحة به لفتح الباب أمام المؤتمر التأسيسي. لكنهم في الوقت عينه يخشون أن تبقى مطالبتهم مذهبية (سنيّة) في حال لم تنضم اليهم قوى وازنة مسيحية على وجه التحديد. لذا سُجّل في اليومين الأخيرين تحرّك في إتجاه بعض المرجعيات الدينية، مثل البطريركية المارونية، في مسعى لتوسعة التحرك الإعتراضي ضد الرئاسة. لكن هذا الفريق لم يجد الى الآن الصدى الذي ينشده. لذا لا يزال يحاذر في المجاهرة، الى جانب تباينات واضحة في صفوفه حيال آليات تحركه، وخصوصا على مستوى رؤساء الحكومات السابقين. كذلك لا يزال يتعذّر إستحصاله على الشرعية السياسية أو إستظلاله بها في الحد الأدنى، طالما أن تيار «المستقبل» لا يزال مصرا على البقاء خارج أسواره. وهو ربما لهذا الغرض آثر إشراك الحزب التقدمي الاشتراكي، من جهة بحثا عن إمتداد خارج المذهب، ومن جهة ثانية لحاجته الى قوة سياسية ذات تمثيل نيابي تغطّي فقدانه الشرعية السياسية.
“القوات”: المطالبة باستقالة الرئيس ليست في وقتها ما لم تسبقها انتخابات نيابية مبكرة
ب- تسعى القوات اللبنانية الى إطلاق جبهة معارضة، حجر الرحى فيها الضغط سياسيا، وربما لاحقا في الشارع، من أجل فرض إنتخابات نيابية مبكرة. الإعتقاد القواتي راسخ بأن المطالبة بإستقالة رئيس الجمهورية ليست في موقعها الصحيح، ما لم تسبقها إنتخابات مبكرة. فالتوازنات السياسية الراهنة تصب حتما في غير مصلحة قوى 14 آذار سابقا، التي لا قدرة لها على الإتيان برئيس من بين صفوفها. لا بل تلك التوازنات قادرة على الإنتقام من أي توجّه للإطاحة بالرئيس. يضاف الى ذلك توجّس قواتي من أي توظيف من جانب التيار الوطني الحر لأي خطوة ناقصة قد تؤدي ليس فقط الى تصليب القاعدة التياريّة، وإنما شدّ إنتباه الغالبية المسيحية غير المتحزّبة التي لا تزال لا تستسيغ إستهداف رئاسة الجمهورية، الرمز المؤسسي الأول والمتقدم على كل المؤسسات، والأهم رمز الحضور المسيحي في لبنان والمنطقة، في زمن تفريغها المعلن من تعدديتها الطائفية.
ج- يقبع تيار «المستقبل» خارج الإصطفافين. صحيح أنه لا يخفي إبتهاله بكل حملة على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، لكنه في الوقت عينه لا هو قادر على مجاراة الأصوات المنادية بإستقالة الرئيس، ولا هو راغب أو في مستطاعه الإنخراط في اللعبة القواتية الرامية الى فرض إنتخابات نيابية مبكرة. كلا الخيارين مرّ عليه. وكلاهما يؤديان حكما الى قطع شعرة معاوية مع حزب الله، أو ما سماه الحريري نفسه ربط نزاع مع الحزب منذ زمن المحكمة الدولية، وهو ما لا يطيقه «المستقبل» حتى لو لم يجاهر به، بدليل حرصه على قناة تواصله مع الحزب، وآخر أدوارها تقريب وجهات النظر في المسألة الحكومية، في مقابل إمكان تلمّس إستلطاف من جانب الحزب ودغدغة لبعض الخطاب المستقبليّ. أضف إدراك قيادة تيار «المستقبل» أنها غير قادرة لا سياسيا ولا لوجستيا على خوض إنتخابات مبكرة، تزامنا مع غياب الغطاء العربي– الخليجي الذي مكّنها سابقا من خوض معارك من الباب العريض.
تُظهر تلك الوقائع أن جبهتين معارضتين يجري العمل عليهما، لكن لكل منهما أهدافها وخططها، كما خطوطها الحمر، مما يجعل إلتقاءها راهناً غير متوفر في حده الأدنى.