يغرق اللبنانيون في عجزهم عن مواجهة سلاح “حزب الله” ومشروعه، وكأنهم نسوا أو تناسوا كيف تمكنوا من تحقيق الاستقلال الثاني وإخراج جيش الاحتلال السوري من لبنان في ربيع الـ2005.
كان يستحيل على اللبنانيين أن يشاهدوا يوم 26 نيسان 2005 والانسحاب المذل لجيش نظام الأسد من لبنان في غضون ساعات، لولا تضافر عدد من العوامل تمثلت في الآتي:
ـ قرار لبناني داخلي أطلق ديناميته بطريرك الاستقلال الثاني المثلث الرحمات مار نصرالله بطرس صفير مع مجلس المطارنة الموارنة اعتباراً من النداء الشهير في أيلول الـ2000، أعقبه تأسيس لقاء قرنة شهوان وثباته إلى جانب البطريركية المارونية وصولاً في العام 2004 إلى لقاء البريستول والالتفاف المسيحي- الإسلامي حول المطلب السيادي بعد انضمام الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل إليه.
ـ بالتزامن عمل اللبنانيون عبر قنوات عدة على تأمين ضغط خارجي، بين باريس وواشنطن ونيويورك، أثمر إصدار مجلس الأمني الدولي القرار الرقم 1559 والذي شكّل الرافعة الدولية للمطلب اللبناني، ومكّن من تحريك آليات ضغط دولية على النظام السوري دفعت باتجاه إجباره على على الانسحاب.
ـ خطيئة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي أشغلت غضباً شعبياً عارماً، أضيف إليه استهتار الأمين العام لـ”حزب الله” بإرادة اللبنانيين العارمة وتحديهم من خلال الدعوة إلى تظاهرة 8 آذار ودعوة وسائل الاعلام والمصورين إلى القيام بـ”Zoom out” في محاولة للإيحاء بأن الأكثرية الشعبية معه، فكان الردّ الشعبي الجارف في 14 آذار 2005.
بعد أكثر من 15 عاماً على استعادة تلك التطورات التاريخية والتي أفضت إلى تحقيق ما كان يعتبره الكثيرون مستحيلاً، وهو انسحاب جيش الاحتلال البعثي وأجهزة استخباراته، يبدو أن اللبنانيين ضائعون في كيفية تحقيق الاستقلال الثالث عن هيمنة سلاح “حزب الله” والوصاية الإيرانية المفروضة على لبنان، والتي أوصلت لبنان إلى الانهيار الشامل.
ليس مطلوباً اليوم، ورغم قساوة المأساة بسبب الانهيار المالي والاقتصادي وبسبب اجتياح فيروس كورونا، أن يأتينا أحد بلقاحات، أو ببعض مساعدات عينية، أو مساعدات غذائية، لأن اللبنانيين ليسوا ولم يكونوا يوماً متسولين على قارعة المجتمعين العربي والدولي. والخلاص والمخلصون لن يكونوا من الذين يمنّنون اللبنانيين ببعض المساعدات، بل من الذين يخوضون معركة تحرير لبنان من دون مواربة عوض الخضوع لمنظومة السلاح تحت شعار “الخوف من الفتنة”!
وليس مطلوباً اليوم الحديث في الكواليس عن جبهة مزعومة ضد العهد، لأن العهد ليس أكثر من حليف لـ”حزب الله”. المطلوب أن يتجرّأ المعنيون على تشكيل جبهة وطنية شاملة ضد سلاح “حزب الله” وهيمنته، ومثل هكذا جبهة فقط يمكنها تأمين خوض معركة تحرير حقيقية والإتيان بدعم خارجي للمطالب السيادية الشاملة عوض خوض معارك صغرى “بالمفرّق” لا تُغني ولا تُسمن ولا تعوّض عن خوض المواجهة الكبرى متحدين.
المطلوب اليوم إعادة تصويب البوصلة سياسياً وشعبياً ودبلوماسياً من أجل تحرير لبنان من وطأة احتلال السلاح غير الشرعي، عبر مسار سياسي وشعبي داخلي بالتوازي مع مسار ضغط دبلوماسي دولي عبر مجموعات الضغط اللبنانية في كل عواصم القرار، لتوحيد المطالب اللبنانية بتحرير لبنان من الهيمنة الإيرانية، وبعد هذا التحرير تصبح عملية الإنقاذ المالية والاقتصادية والصحية سهلة جداً.
لبنان يقف اليوم أمام مفترق طرق خطر جداً: فإما أن يبادر اللبنانيون على مختلف المستويات إلى خوض معركة التحرير الشاملة بوج سلاح “حزب الله”، وإما يتحولون إلى شعب يتسوّل الشفقة على قارعة المجتمع الدولي… وليس أمامنا أي خيار ثالث!