كتب فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:
ما نعيشه اليوم من خلال تفشي وباء كورونا في لبنان، مُخيف ومرعب، وما نُلاحظه حيال الحالات الصحية التي وصلت أو أوصلوا إليها البلاد، مثير للقلق الشديد. وتالياً، علينا واجب حماية أنفسنا شخصياً وفردياً، وحماية عائلاتنا ومحبّينا دَرءاً لخطر الإصابة بهذا الوباء الخطر والمميت. فلنصلّ جميعاً لشفاء كل إخوتنا اللبنانيين الذين أُصيبوا بهذا الوباء الخبيث، والذين يتعذبون في المستشفيات، أو على أبواب المستشفيات، وفي المنازل.
كيف وصلنا أو أوصلنا المسؤولون إلى هذا الدَرك؟ هذا هو السؤال الجوهري الأول. من الواضح والمؤكد أنّ غياب الإستراتيجية الواضحة والمتكاملة والمتجانسة من قبل الدولة اللبنانية أوصلتنا إلى هذا التفشي المخيف الذي يزداد يوماً بعد يوم. إننا محكومون اليوم بالإقفال العام نتيجة القرارات العشوائية والمنفردة وغير السليمة التي اتخذتها الدولة من دون أي رؤية واضحة ومتابعة دقيقة. فالإقفال الجزئي ومن ثم الفتح العشوائي، ومن ثم الإقفال الجزئي واليوم الإقفال التام، هي تجارب في صحة الشعب اللبناني الذي يدفع الثمن الباهظ، ويتعذّب ويتألم جرّاء غياب الدرس المعمّق وبناء خطط واستراتيجيات علمية.
السؤال الجوهري الثاني الذي علينا أن نسأله هو ماذا سنعمل من بعد الإقفال العام في 25 كانون الثاني 2021؟ هل يعتقد المسؤولون أن المرض بعد هذا التاريخ سيتلاشى، وسنعود إلى أعمالنا على نحو طبيعي؟
إنّ القرار الأول، والذي اتخذته الدولة بإقفال البلاد، كان خاطئاً، إذ إنّ الوقائع تشير إلى النتيجة السلبية التي تحققت من وراء هذا الإقفال، من خلال ازدياد عدد الإصابات رغم الحجر. فكلّنا يعلم أنّ الاختلاط الأكبر يحصل اجتماعياً في البيوت، وفي الاجتماعات والتجمعات الخاصة، ومن خلال نوعية حياتنا الإجتماعية في لبنان. فالتقارب الشعبي والشخصي الأكبر يكون في الأسواق الشعبية وبكثافة، وفي الأحياء الداخلية الذي يستحيل معها القيام بالحجر المطلوب.
من جهة أخرى، إنّ قرار إعادة فتح البلاد لمناسبة أعياد آخر السنة، على هذا النحو العشوائي، ومن دون أي دراسة وملاحقة، كان جريمة صحية أوصَلتنا إلى هذه الأرقام الكارثية.
ها نحن اليوم في إقفال جديد تام، لا نعرف نتيجته، ولا الخطوات التابعة له. ما نشهده اليوم مجرد قرارات فردية وعشوائية وغير مدروسة، كردّة فِعل وكأنها تجارب في الشعب اللبناني، وتَلاعُب في صحته، بدلاً من رسم وتنفيذ وملاحقة استراتيجية كاملة ومتكاملة، مع أهداف ومحطات مجزّأة وخطة على المدى الطويل والمتوسط والقصير.
من جهة أخرى، أكان الإقفال أسبوعاً أم شهراً، على الدولة أن تقوم بالتعويض والمساعدة للافراد والعائلات، وأصحاب المهن الحرة، والشركات من كل القطاعات، لكي تستطيع أن تتعايَش في ظل هذا الجمود الإجباري. فأيّ دولة تحترم نفسها وتحترم أبناءها عليها بناء استراتيجية اجتماعية لمساعدة ذوي الدخل المحدود والمسنّين، والذين لا يستطيعون أن يتعايشوا مع هذه الأزمة الكارثية، ويشهدون تراجعاً في نسبة عيشهم يوماً بعد يوم، ويخسرون كرامتهم ليس جرّاء الجائحة فحسب، لكن من وراء عدم مسؤولية حكّامهم وسوء الإدارة.
إضافة إلى ذلك، إنّ أي دولة تحضن اقتصادها، عليها أن تبني استراتيجية لمساعدة شركات القطاع الخاص، كي يعبروا المرحلة الراهنة عبر حوافز متعدّدة ومشجعة والتخفيض الضريبي.
لا نزال في لبنان في طور اتخاذ قرارات إقفال البلاد عشوائياً ومن ثم فتحها من دون تحقيق الغاية المنشودة من ذلك، ومراجعة ومشاهدة الأرقام من دون أي عمل مُجدٍ ومستدام، فيما الدول المجاورة بدأت عملية تلقيح مواطنيها، وعلى مستويات متقدمة.
امّا في لبنان، فلم يتفق المسؤولون بعد مع أي شركة سيتعاملون، ولم يُحددوا الطلبيات حيال اللقاح، ولا يوجد استراتيجية توزيع لهذه اللقاحات للمواطنين حتى الآن. هل ستبدأ بالمسنّين أولاً؟ أم بالمتضرّرين من الوباء؟ أم بالطاقم الطبي في المستشفيات؟ أم بالمعرّضين صحياً لالتقاط الوباء؟ أم ستكون الأولوية للسياسيين لمتابعة صفقاتهم؟
لا تزال الأمور غامضة ومن دون أفق، ولا استراتيجية واضحة، في ظل ضياع الوقت الشعب واستنزافه، علماً أننا نَفخَر بالأطباء اللبنانيين الناجحين المنتشرين في شتى أنحاء العالم، ولا سيما في البلدان المتقدمة، والذين يخترعون ويقومون بتركيب اللقاحات، فيما في لبنان نتراجع طبياً واستشفائياً يوماً بعد يوم.
أليسَ الذين يتبارون ويتباهون بإدارة مسألة معالجة وباء «كوفيد – 19» في الوقت الحاضر، هم أنفسهم الذين أداروا الأزمة النقدية والمالية والانهيار الاقتصادي في العام 2020؟ أليس هم الذين أداروا تداعيات انفجار 4 آب 2020 ووزّعوا التعويضات الوهمية للمتضررين بعد هذا الانفجار الكارثي والإجرامي؟ أليس هم الذين حاولوا إطفاء الحرائق والغابات بالمعدّات غير الصالحة من وراء عدم إجراء الصيانة؟ إن النتائج والوقائع تُجيب نفسها عن هذه التساؤلات.
في الخلاصة، علينا أن نُصارح المواطنين، وحلّنا الوحيد بأن نكون يداً واحدة وعائلة واحدة في وجه هذا الوباء، وانّ الحماية الفردية والإحتياطات الشخصية والوقاية الصحية هي الوحيدة التي تستطيع حمايتنا وحماية عائلاتنا وأنفسنا، وليس القرارات العشوائية والتجارب الفردية من دون أي استراتيجية تؤدي إلى النتائج المرجوة.
إنني أتخوّف من أنه في الوقت الذي تقوم فيه البلدان المتقدمة بتجارب للقاح ضد الوباء، نقوم نحن في لبنان باختراع وباء جديد وهو وباء الفشل، ووباء سوء الإدارة، ووباء عدم المسؤولية.