كتب غاصب المختار في “اللواء”:
أياً كانت أهداف جولات الرئيس المكلف سعد الحريري ونتائجها المتوقعة، فهي قبل كل شيء أدت الى تأخير تشكيل الحكومة، نتيجة إنقطاع الإتصالات بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، إذا سلّمنا جدلاً انهما فقط المعنِيَينِ بتشكيلها من دون تدخلات واعتراضات، ما يحول دون مناقشة مباشرة لملاحظات عون على التشكيلة وتوضحيات وردود الحريري عليها، وهو الامر المطلوب كأولوية بإعتبار ان مهمة الحريري الاولى اليوم هي تشكيل الحكومة وليس أي أمر سواه، لا سيما وجود حكومة تصريف اعمال تقوم بأقل من الحد الادنى لتصريف الاعمال، ويرفض رئيسها دعوات تفعيل حكومته او عقد جلسات طارئة واستثنائية لمعالجة الاوضاع الطارئة والاستثنائية التي تمر بها البلاد.
ويبدو حسب المتابعين ان لملمة نتائج فيديو الحوار بين عون والرئيس حسان دياب لا زالت قائمة ولم تنتهِ بعد، وقد تستغرق بعض الوقت لتبرد سخونتها، ولذلك يبدو الانتظار سيد الموقف ولوكان ثقيلاً على البلاد والعباد، مع أن البطريرك الماروني بشارة الراعي حاول التحرك مجدداً لتقريب وجهات النظر بين الرئيسين، او على الاقل إعادة التواصل بينهما، لكن سفر الحريري الطويل جمّد كل شيء، كما ان الرئيس نبيه بري جمّد كل محركاته لأنه حسب اوساطه «لم يلمس جَدّية من طرفي الازمة لتشكيل الحكومة وتجاوز العقبات والشروط المحلية، خاصة انه يرى ان الخارج منشغل بحاله منذ انتخاب الرئيس الاميركي جو بايدن، وهي فرصة مؤاتية لتشكيل حكومة صنع لبنان».
وترى مصادر نيابية من بين حلفاء للحريري في معارضة العهد، انه ربما اخطأ في إدارة ملف تشكيل الحكومة «لأنه أجرى مقاربات بعيدة عن الواقع السياسي الحقيقي القائم، فلم يُرضِ لا الحليف ولا الصديق ولا الخصم، وبالغ في موضوع الصلاحيات، تماماً كما بالغ رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر في هذا الموضوع». ولكن المصادر لا تضع جانباً ايضاً فكرة رغبة عون والتيار الحر في إحراج الحريري لإخراجه ودفعه للإعتذار، لكن المشكلة هي في إيجاد البديل المقبول من اغلب القوى السياسية المحلية ومن المجتمع الدولي، ولو ان بعض الحلفاء والاصدقاء كوليد جنبلاط وسمير جعجع نصحا الحريري بالإعتذار، وترك العهد «يقلع شوكه بيديه وتشكيل الحكومة التي يريدها وليحكموا البلد اذا استطاعوا».
بالمقابل، تشير اوساط مطلعة على موقف الرئيس عون، إلى ان خطأ نشر الفيديو الذي اتهم فيه عون الحريري بالكذب ترك ندوباً عميقة قد تستغرق وقتاً لتلتئم، لكن وضع البلاد لا يحتمل هذا الترف في «الحَرَدْ والإنكفاء» والذي يوحي بأن الحريري غيرمستعجل على تشكيل الحكومة ربما بإنتظار معطيات معينة داخلية او خارجية، لكن في عدّاد الوضع اللبناني، فإن آخر لقاء بين الرئيسين كان في 23 كانون الاول الماضي، غادر بعده الحريري لبنان وترك الامور عالقة منذ قرابة الشهرعند رئيس الجمهورية من دون متابعة او ملاحقة اواستفسار، بعد ان قدم تشكيلته ويقول انه ينتظر ملاحظات عون، الذي يقول بدوره انه قدم الملاحظات اللازمة على التشكيلة من حيث توزيع بعض الحقائب على الطوائف ومن حيث بعض الاسماء!
اين العقدة والقطبة المخفية إذاً؟
يبدو ان الاسباب المعلنة لدى الطرفين للتأخير غير مبررة او غير مُقنِعة، وبات الوضع يستلزم مقاربات مختلفة بعد استنفاذ كل الحجج والاسباب، بما فيها سبب الفيديو المسرّب. خاصة ان العرب والغرب ضاقوا ذرعاً بإداء المسؤولين اللبنانيين وسحبوا ايديهم من الوحل اللبناني، وانصرفوا إلى ترتيب اوضاعهم السياسية والاقتصادية وتنظيم خلافاتهم وتحالفاتهم بعد الانتخابات الاميركية، وترتيب اوضاعهم الصحية أيضاً لمواجهة جائحة كورنا.
حتى ان الرئيس نبيه بري المصلح الاول وصاحب الحلول لكل الازمات وقف عاجزاً امام الشروط والشروط المضادة، ما دفع بعض اعضاء كتلته النيابية الى التساؤل: «هل اللبنانيون مجبرون على دفع ثمن سوء العلاقة بين الرئيس المكلف سعد الحريري والنائب جبران باسيل»؟
وقد قال عضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد خواجة امس في هذا السياق: أن الرئيس بري ليس غائباً، إلاّ أنه لا يدخل في مبادرة إن لم تكن تتمتع بالحدّ الأدنى من النجاح، والدليل ما جرى مع البطريرك بشارة بطرس الراعي، وعندما تصبح الأطراف المتشابكة جاهزة لأن تسمع يكون عندها الرئيس بري جاهزاً.