كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
مع اتساع مساحة التصحّر الداخلي، بفعل تعذّر تشكيل الحكومة وانسداد شرايين التواصل بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف.. هل من خيارات لدى بعض الجهات، لملء الفراغ وكسر المراوحة، ام انّ هامش التحرّك بين ضفتي المأزق صار ضيّقاً جداً؟
شاع في الآونة الأخيرة كلام حول احتمال ان يجمع عدد من المعارضين لرئيس الجمهورية ميشال عون صفوفهم المبعثرة في جبهة سياسية تواجهه. وقد اتى فيديو عون، الذي يتهم فيه الرئيس سعد الحريري بالكذب، مسبوقاً بفتح ملفات قضائية تصيب خصوماً للعهد، حتى يعزز في رأي البعض الحاجة إلى إطلاق الجبهة.
لكن يبدو أنّ هذا الطرح لا يزال «مجهول الهوية»، وغير واضح المنشأ، إذ انّ احداً لم يجاهر به علناً بعد، ولم يعلن صراحة عن أبوته له، علماً انّ بعض معارضي العهد ينبّهون الى وجوب ان لا يأخذ اي اصطفاف ضدّه بعداً طائفياً، لأنّ من شأن ذلك تقويته، لا إضعافه.
ولعلّ العشاء الموسّع الاخير في منزل الرئيس تمام سلام، بمشاركة وليد جنبلاط، ساهم في مزيد من التداول بفرضية الجبهة، قبل ان يتبين انّ هذا الإنطباع لم يكن صحيحاً، وانّ المجتمعين لم يخوضوا في مسألة إيجاد الإطار الموحّد.
يبتسم سلام عندما يُسأل عن حقيقة الأخبار المتداولة حول تحضيرات لإنشاء جبهة معارضة للعهد، تضمّ رؤساء الحكومات السابقين والنائب السابق وليد جنبلاط وآخرين، مشدّداً على انّ لا شيء من هذا القبيل.
ويقول سلام لـ»الجمهورية»: «للأسف، الخواء السياسي في البلد يدفع أحياناً الى تكبير بعض الأمور واعطائها حجماً يتجاوز اطارها الطبيعي، كما حصل مع مأدبة العشاء في منزلي، والتي شارك فيها الرئيسان نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط والوزير السابق غازي العريضي».
ويضيف: «هذا العشاء يندرج في سياق استمرار التواصل والتشاور، من دون ان تكون له أجندة محدّدة، وقد ناقشنا خلاله الوضع السيئ الذي وصلنا اليه، وتداولنا في أفكار عامة للخروج منه، لكن لم نتطرق بتاتاً الى مسألة انشاء جبهة ضدّ الرئيس ميشال عون، وليس هناك لا جبهات ولا من يحزنون».
ويلفت سلام الى انّ «العشاء جرى منذ نحو ثلاثة أسابيع، اي قبل كل هذه البلبلة التي تسبب فيها فيديو عون المسرّب، وبالتالي لا توجد أي صلة بين الأمرين».
وعن دلالات مشاركة جنبلاط في العشاء، يوضح انّه «سبق له أن تناول العشاء في منزل جنبلاط قبل فترة، بناء على دعوة منه، وقد أحببت أن ادعوه بدوري الى العشاء، وكانت مناسبة لنبحث في ما يمكن فعله للتخفيف من وطأة الأزمة السياسية»، مشيراً الى انّ «زيارة الرئيس السنيورة الى الرئيس نبيه بري، غداة اللقاء في منزلي، اتت أيضاً ضمن التشاور العام ولا علاقة لها بتاتاً بما قيل عن التحضير لإطلاق جبهة مفترضة ضدّ العهد».
ويعتبر سلام، انّ «الواقع اللبناني المنهار لا يتحمل مزيداً من الاصطفافات الحادة عبر جبهات سياسية او طائفية، لن تفيد في معالجة الازمة بل ستزيدها تعقيداً».
ويبدي استغرابه لكون البعض لا يزال يتصرّف بنوع من المكابرة السياسية والانكار للواقع وكأنّ شيئا لم يحدث، معتبراً انّ الفيديو المسرّب من قصر بعبدا لا يليق بموقع رئاسة الجمهورية قبل موقع رئاسة الحكومة، وبالتالي، فإنّ المطلوب توضيح وتصحيح لما جرى، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
ويضيف: «نحن تجنبنا الردّ على الإساءة والإنزلاق الى مواجهة انفعالية، تحسساً منا بالمسؤولية في هذه الظروف الصعبة، وكي لا يؤدي اي ردّ فعل الى تفاقم المأزق او استغلال طائفي من جهات سياسية تحاول شدّ العصب في بيئتها»، آملا في أن يتصرف الآخرون بمسؤولية وطنية أيضاً.